فنحن إذن المرضى، ونحن إذن الأطباء، نسمع أنات الألم تزفرها صدورنا المكلومة فنعكف على هذه الصدور نشخص داءها ونتبين علتها، فإذا ما انكشفت العلة والداء سهل علينا وصف الدواء الذي يجدد قوى أمتنا ويشفيها من آلامها
إن أمتنا مريضة في هذه الآونة أيتها السيدات؛ ومرضها لا تشكو منه ناحية جسمها دون بقية النواحي، إنما هو مرض يشمل جميع أطرافها ويخشى عليا من فتكه، إذا لم نسارع إلى إنقاذها من براثنه هي مريضة في تفكيرها، مريضة في ثقافتها، مريضة في عقليتها، مريضة في أخلاقها، ثم هي مريضة بسبب العلة المزمنة التي أصابت موضع القلب منها
فأي شأن من هذه الشؤون يعالج قبل الآخر يا ترى، ليتم لنا ما نريد ونبلغ ما نصبو إليه جميعاً من صميم أنفسنا؟
أنعالج ثقافتها، والعقلية التي تهضم هذه الثقافة وتستسيغها مازالت قلقة مقيدة؟
أم نعالج أخلاقها، والأداة التي تعالج بها هذه الأخلاق - وأعني بها الإرادة - ما برحت ضعيفة واهنة؟
أم نعالج الفكر، والصلة الوثقى التي تربط الفكر بكل ما في هذا الكون من خفايا الأمور وأسرارها مفككة الأجزاء؟
أنا أرى أن أول شأن يجب معالجته قبل بقية الشؤون هذا القلب، أيتها السيدات، لأنه ميزان الحياة الدقيق، والصلة التي تربط الإنسان بها، ومتى قامت بين الإنسان والحياة رابطة متينة تغلغل فكره في زواياها وخلاياها وأدرك كل معنى من دقيق معانيها، وشعر بها تتفجر في أعماقه قوة وحيوية
فإن كان القلب سليماً خفاقاً، جرت الحياة في شرايين الجسم حارة متدفقة
وإن كان سقيماً عليلاً بلدت حركتها واعتراها كثير من الضعف والخمول
فإذا نحن عالجنا القلب ودققنا في تشخيص دائه، فمعنى ذلك أن كل واحدة منا انعكفت على ذاتها، وأخذت تفحص هذه الذات على نور من البينة، فإن بدا لها ضيق في ناحية من نواحيها وسعته، وإن اتضح لها نقص قومته، لأن المرأة من هيكل الأمة بمثابة القلب من جسم الإنسان يضبط توازنه، وينظم الحركة الحيوية فيه
وقد يعترض على قولي هذا معترض، ويخالفني مخالف، مبيناً ما يزعمه من خطأ هذا