للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[٢ - منازل الفضل]

دار علي مبارك باشا

للأستاذ محمد محمود جلال

من الأسماء ما يخف على سمعك لمجرد تركيبه ووقع نغمه في الأذن، ومنها ما يعجبك لمعنى يشير إليه؛ وقد يعجبك الاسم وقد خلا من هذين إعجاباً بشخصية قدَرت في التاريخ دورها؛ وقد يكون من بين الأسماء ما ينفر منه السمع، وهو مع ذلك حبيب إلى نفسك لذكرى تتصل به أو جميل أردفته بالعرفان.

ويقص المتشيعون للعلاقة بين الاسم والمسمى من علماء اللغة أن أحدهم سأل إعرابياً عن معنى (أذغاغ) فقال الإعرابي وهو لا يعرف من الفارسية شيئاً: (أرى فيه يبساً وصلابة، ولعله الحجر).

وليس للطفولة أن تسمو إلى شئ من ذلك البحث أو ذاك القياس، وإنما يسبق فيها الإحساس بالمعرفة، فما نظرت إلى شيء من ذلك يوم كان (شارع علي مبارك باشا بالحلمية) أحب الشوارع إلي سنة ١٩٠٨، فكنت أخصه بروحاتي وغدواتي، وأختص (اليافطة) أول سيري به بتجربة قدرتي على قراءة اليفط والخط المشبك.

سكنا الحلمية بعد أن هجرنا دارنا الأولى بدرب الجماميز حيث مأمورية الأوقاف الآن، على أثر خلاف بيننا وبين ديوان الأوقاف على حيازة القطعة المجاورة لتوسيع الدار بطريق البدل، ولا أجد اليوم تعليلاً معقولاً لتفضيلي إلا بالصلة التي توجدها النشأة، وقد نشأت في الريف، ومن أسرة فلاحة، واسم علي ومبارك كثيراً الشيوع في الفلاحين، فلم يكن عجيباً أن يكون هذا الاسم أقرب إلى النفس وأسهل في الحفظ من أسماء ندر أن نسمع بها (كسنجر الخازن) و (الأمير يوسف) وغيرهما.

أجل لم يكن بذلك الشارع بائع (سوداني) ولا شوكولاته، ولم تكن حوانيت الساندويتش انتشرت بعد، حتى أرد التفضيل إلى تلك المغريات في سن الطالب.

وفي عام ١٩١١ أهدتني الجمعية الخيرية الإسلامية مجموعة ثمينة من الكتب لنجاحي من الفرقة الثالثة في الشهادة الأبتدائية، كان من توفيق الله أن ضمت بين دفتيها (تاريخ علي مبارك باشا) ولن أنسى ما حييت غبطتي بهذا الكتاب، وذكرت على التو شارع علي مبارك

<<  <  ج:
ص:  >  >>