لم يكن في أثينا القديمة على ما اشتهرت به من روعة الفن وكثرة الفنانين، من هو أمهر من ديدالوس العظيم في نحت الدمى وصناعة التماثيل، وهندسة المباني الضخمة. ولقد كان يتنقل بين المعاهد اليونانية، وخاصة بين إقريطش وقبرص وأثينا، لكثرة الدعوات التي كانت تصله من ملوكها، ليقوم على بنايتهم وليتعهد تماثيلهم، وليشرف بنفسه على هياكلهم، ليقال في مواضع الفخر، إن هذا التمثال، أو تلك الدمية، أو هذه الزخرفة من عمل ديدالوس
واستفاضت شهرته، وذاع صيته، وملأ الخافقين أسمه، ولاسيما بعد إذ شاد اللابيرنث (التيه) لمينوس ملك إقريطش، واللابيرنث عمل من أجل الأعمال الهندسية القديمة، إن لم يكن أجلها جميعاً. ذلك أنه كان لمينوس وحش هائل مخرب يسمى (المينوطور)، نصفه الأسفل نصف عجل جسد، ونصفه الأعلى نصف رجل له أنياب الأسد، وغدرة الذئب، وقوة التنين العظيم
وكان لا ينفك يقتل كل من اقترب منه، ولو كان من خاصة الملك. فلما استطار شره، وعظمت بليته دعا مينوس الملك، ديدالوس المهندس، ليشيد هذا البناء الرائع، ذا المنعرجات والحنيات، والشعاب المتداخلة، التي لا يستطيع أحد أن يفلت منها، إذا انفتل فيها. وقد بناه ديدالوس على شكل دائرة عظيمة محيطها هذه الشعاب والمنعرجات، وفي وسطها فضاء فسيح يربض فيه المينوطور أو يركض
ولندع الآن ذاك المينوطور الرهيب جاثما في اللابيرنث، لنرى ما كان من أمر ديدالوس بعد ذلك
ظل الناس يتحدثون عما وهب ديدالوس من عبقرية، وما أوتي من حذق ونبوغ، وظلوا يتهافتون على آياته الفنية التي كساها إلهامه ظلالا كظلال السحر، وموهها بأمواه القداسة