ذلك هو الخلاف الذي أشار إليه الفاضلان: الأستاذ عبد المتعال الصعيدي، والأستاذ حسن الأمين حاكم النبطية في العدد الأخير من (الرسالة): أولهما فيما يرجع إلى كتابي عن (الصديقة بنت الصديق)، والثاني فيما يرجع إلى كتابي (عبقرية الإمام)
فالعالم الفاضل الشيخ عبد المتعال الصعيدي يقول: إنني حكمت العقل قبل النقل في مسائل التاريخ إلا في موضعين: أولهما ما ذكرته من قول عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد حمل إليها ابنه إبراهيم لترى ما بينهما من عظيم الشبه، فأنطقتها الغيرة بما أشرت إليه، ومقام السيدة عائشة ينبو عن تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم في شيء من الأشياء
وثانيهما ما ذكرته من قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة في حديث الإفك: أما بعد يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت قد ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه. ومثل هذا - كما يرى الأستاذ الصعيدي - لا يصح أن يقوله النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه كان يعرض لمن أقر بالزنا عنده أن يرجع عن إقراره فكيف يخالف ذلك مع عائشة؟. . . إلى آخر ما ورد في كلمة الأستاذ
ورأيي كما قال الأستاذ أن العقل مقدم على النقل، ولكن النقل لا يبطل إلا بالبرهان أو باستحالة القبول
وليس فيما لاحظه الأستاذ الصعيدي موضع لبرهان، ولا لاستحالة عقلية تقوم مقام البرهان
فالصحيح أن السيدة عائشة لا تكذب النبي عليه السلام في شيء من الأشياء، ولكن الذي حدث في أمر إبراهيم ليس فيه من تكذيب ينبو عنه مقام السيدة عائشة
رأى النبي عليه السلام شبهاً بينه وبين ولده إبراهيم وسأل السيدة عائشة في ذلك فقالت: إنها لا ترى شبهاً
فالتكذيب هنا إنما يكون إذا قالت:(إنك يا رسول الله لا ترى شبهاً بينك وبين إبراهيم)
أما أن تقول عن نفسها إنها ترى الشبه - وهي لا تراه - فذلك هو الكذب الذي ينبو عنه مقامها