للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ومن السهل جداً أن تفشي الغيرة عين المرأة المحبة فلا ترى في ابن ضرتها المحاسن التي تحبب تلك الضرة إلى رجلها العزيز عليها، فإذا غاب هذا الشبه عن عين عائشة فلا غرابة في الأمر ولا مخالفة فيه للطبائع الإنسانية والطبائع النسوية على التخصيص، وإذا قالت إنها لا ترى الشبه - وهي لم تره فعلاً - فقد صدقت في مقالها ونطق لسانها بما تادى إلى نظرها ولم تزد عليه

وقد ورد في الخبر أن السيدة عائشة كانت تغاضب النبي وتقول له (اقصد) في مقالك أمام أبيها، فيلطمها أبوها عقاباً لها. وليس كلام المغضبة أو الغيور بالكلام الذي يصدر عن تكذيب أو بغضاء.

أما أن النبي عليه السلام لا يصح أن يقول للسيدة عائشة: إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي، فإن العبد إذا اعترف بذنبه، ثم تاب إلى الله تاب الله عليه)

فهذا ما نخالف الأستاذ فيه كل المخالفة

إذ هذا المقال هو الذي يصح أن يقوله النبي عليه السلام في هذا المقام. وماذا فيه إلا أنه عليه السلام يدعو من ألم بذنب إلى الاستغفار؟ وأي عجب في ذلك وقد صحت فيه آيات من القرآن فضلاً عن الأحاديث النبوية؟

ويلاحظ أن النبي عليه السلام قال للسيدة عائشة: (إن كنت ألممت ولم يقل لها إن كنت اقترفت ذنباً) ولا يخفى أن الإلمام يناسب اللمم الذي هو دون كبائر الإثم والفواحش، وفيه يقول القرآن الكريم: (ولله ما في السموات والأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين حسنوا بالحسنى، الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة)

وفي كلام النبي موافقة لهذه الآيات. وفي القرآن الكريم أن نبياً هم بأمر وعدل عنه. والهم والإلمام قريبان: (ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه)

فدعوة النبي للسيدة عائشة أن تستغفر عن لمم ليست بالدعوة التي ينكرها العقل ويجزم باستحالتها، وليس فيها ما يناقض الآيات ولا الأحاديث. ومقطع القول بعد هذا كله في حديث الإفك أنه كما قلنا في كتاب الصديقة بنت الصديق (سخف لا يقبله إلا من يفتري بوشاية أو بغير وشاية، وسواء فيه منافقو المدينة ومن يصنع صنيعهم من المؤرخين في

<<  <  ج:
ص:  >  >>