من أهم الدعائم التي تقوم عليها عظمة الأمة، وتستقيم بها أحوالها؛ أن يكون فيها (رأي عام) ناضج مهيب، يستلهمه قادتها والقائمون بأمرها، ويخشاه من تحدثهم نفوسهم بالبغي عليها، أو الانحراف عن الصراط السوي في تدبير شئونها.
وأهل السياسة، ورجال الاجتماع، يحكمون للامة أو عليها بحسب (الرأي العام) فيها، فإذا كان من عادة الأفراد أن يهتموا بالشئون العامة، ويحرصوا على أن يكون لهم توجيه فيها، ووزن لقيمتها، وتمييز بين الصالح والفاسد منها؛ كانت الأمة بخير، وكانت جديرة بان تعيش وتكافح في معترك هذه الحياة، وتتبوأ بين الشعوب مكانة حسنة. وإذا كان الأفراد معنيين بشئونهم الخاصة فحسب، يقصرون عليها جهودهم، وينفقون فيها كل نشاطاتهم، ولا يعنيهم بعد ذلك أصلحت أحوال المجتمع الذي يعيشون فيه أم فسدت؛ فالأمة على خطر عظيم، وهي صائرة بخطى واسعة إلى الفساد ثم الانحلال ثم الهلاك!
وهذا الأصل العلمي له شواهد من واقع الأمم في القديم والحديث، وله في عصرنا الحاضر على وجه أخص أمثلة من الأمم القوية والأمم الضعيفة لا احسبني في حاجة إلى الإطالة بذكرها. وإنما أريد أن أقول: أن هذا الأصل الذي آمن به علماء الاجتماع، واصبح من الحقائق المسلم بها، قد جاء به الإسلام، فقرره الكتاب الكريم، وبينته السنة المحمدية في جلاء ووضوح منذ أربعة عشر قرنا!
يقول الله تعالى في كتابه العزيز (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، وأولئك هم المفلحون).
وهذه الآية هي أساس المسئولية التضامنية بين جميع أفراد الشعب، إذ توجب على الأفراد أن يكونوا دعاة إلى الخير، وآمرين بالمعروف، ناهين عن المنكر، فيؤلفوا بذلك (رأيا عاما) يلزم كل إنسان بالاستقامة على النهج، والتزام الصراط المستقيم، فيما هو مولى عليه من شئون خاصة أو عامة.
وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن (من) في قوله تعالى (ولتكن منكم) للتبعيض، وأن المعنى على ذلك وجوب الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجوبا كفائيا، أي