للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

(إنها واجبة على الكل لكن بحيث أن أقامها البعض سقطت عن الباقين، ولو أخل بها الكل، أثموا جميعا) ورأى بعضهم أن (من) في الآية ليست تبعيضية، وإنما هي تجريدية، كما تقول: لقيت من فلان أسدا، وأنت تريد أن تقول لقيته هو، والمعنى على هذا، كونوا أمة يدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.

وهذا الرأي الأخير هو الحق، وهو الذي نصير إليه، ونقول به وذلك لأمور: منها أن الله سبحانه وتعالى يقول في آية أخرى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) وفي هذه الآية أسند الفعل صراحة إلى ضمير الأمة.

ومنها أن الله ذكر المنافقين والمؤمنين في آيتين من سورة التوبة فقال: (المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض، يأمرون بالمنكر، وينهون عن المعروف، ويقبضون أيديهم) (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله، أولئك سيرحمهم الله).

جعل من صفات المنافقين ودأبهم الذي طبعوا عليه ملتوون عن سبيل الحق، يمقتون الصلاح والخير، ويميلون إلى الفساد والشر، فيأمرون بالمنكر، وينهون عن المعروف، ويقبضون أيديهم عن أعمال البر والتعاون فيبخلون، ولا يصح أن يكون الكلام على إرادة بعض من المنافقين دون بعض، فإنه في صدد ذكر خصائصهم وما يعرفون به، وفي مقابل ذلك جعل من صفات المؤمنين ولاية بعضهم بعضا، أي الاخوة والمحبة والتناصر والتعاون على البر والتقوى، وجعل من صفاتهم أيضاً الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وإطاعة الله ورسوله، ولا يصح أن يكون الكلام هنا أيضاً على إرادة بعض من المؤمنين دون بعض، لاسيما وقد ذكر من الأوصاف إقامة الصلاة وما بعدها من الفرائض العينية التي تجب على كل فرد.

ومنها أن الله تعالى ختم الآية الأولى بقوله: (وأولئك هم المفلحون) أي الفائزون بما قضت به سنته من النجاح في الدنيا، والنجاة في الآخرة، وختم الآية الأخيرة بقوله: (أولئك سيرحمهم الله) أي سيشملهم برعايته وتوفيقه وفضله، ولا يصح أن يكون الفلاح خاصا بالقائمين بفرض الكفاية دون غيرهم، ولا أن تكون الرحمة مقصورة عليهم، مع أن الله قد أباح للآخرين أن يتركوا الفعل اعتمادا على كفاية حصوله ممن قام به، وإلا لكان بمثابة أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>