للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يبيح أمرا لا يتصل به سبب من أسباب الفلاح والرحمة.

ومنها أن الله تعالى قال في سورة العصر (إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) فجعل الحكم بالخسارة عاما يشمل جميع الناس، ثم أستثنى المؤمنين العاملين المتواصلين بالحق والصبر، والتواصي بالحق هو الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمن لم يقم بها فهو في خسر، وهذا حكم عام لجميع الأفراد، يقابل الحكم بالفلاح، والوعد بالرحمة في الآيتين السابقتين.

من هذا يتبين أن القرآن الكريم يعتبر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شأن المؤمنين ودأبهم، وأن كل مؤمن مكلف به تكليفا عينيا كما هو مكلف بالصلاة والزكاة وإطاعة الله ورسوله، وهذا طبعا في حدود الاستطاعة والقدرة والأمن من ترتب مفسدة أعظم ووقوع فتنة أكبر، وإلا سقط أو وجب الكف عنه.

وقد جاءت السنة المطهرة بما جاء به الكتاب الكريم، فمن ذلك ما رواه المحدثون عن أبي بكر رضي الله عنه من أنه قام خطيبا فحمد الله أثنى عليه ثم قال: أيها الناس. إنكم تقرأون هذه الآية (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتد يتم) وإنكم تضعونها غير موضعها، وإني سمعت رسول الله صلى الله علي وسلم يقول: (إذا رأى الناس المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب) وفي رواية (ليس من قوم يعمل فيهم بمنكر، ويفسد فيهم بقبيح، فلم يغيروه ولم ينكروه إلا حق على الله أن يعمهم بالعقوبة جميعا ثم لا يستجاب لهم)، ومن ذلك ما رواه أحمد وابن ماجه والبيهقي وغيرهم من قوله صلى الله عليه وسلم (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) وما رواه مسلم وغيره من قوله صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان).

والحديث الأخير يعم بالخطاب سائر المؤمنين ويكلف بتغيير المنكر كلا على حسب استطاعته: باليد أو باللسان أو بالقلب، والتغيير بالقلب عبارة عن مقت الفاعل وعدم الرضى بفعله، وهو وسيلة صحيحة لردع أهل الفساد فإن شعور المفسد بمقت القلوب له ونفور النفوس من فعله، واحتقار الناس إياه؛ كفيل برده عن الإفساد من قريب أو من بعيد، وهو أشبه بعلاج الإيحاء لأنه بمثابة نهي صامت ملح يتمثله المرتكب للقبيح مدويا في إذنه،

<<  <  ج:
ص:  >  >>