وقد مثل لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حال المؤمن لأخيه فقال:(المؤمن مرآة المؤمن) كما مثل لنا حال الأمة بحال راكبين في سفينة أراد بعضهم أن ينقروا فيها، فإن اخذوا على يده نجوا ونجا معهم، وإن تركوه هلكوا وهلك معهم.
هذا كله تربية للأمة وتكوين لشخصيتها، وخلق لقوة المقاومة فيها، تحصينا لها من الفساد، ودفعا بها في سبيل الرشاد. وقد قص علينا القرآن أمر بني إسرائيل لما أتهدم فيهم هذا الأصل، وسامحوا فيه وداهنوا، فقال:(لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون) واللعن عقوبة شديدة فظيعة، هي الطرد والأبعاد عن رحمة الله والحرمان من توفيقه ورعايته، ولا شك أن أمة تصاب بذلك هي أمة هالكة بائرة، وقد ذكر الله سبب هذا اللعن الذي عوقبوا به على لسان داود وعيسى بن مريم فبين لنا أنه العصيان والاعتداء وعدم التناهي عن المنكر ثم ذم صنيعهم في ذلك بهذه العبارة البليغة المؤكدة بالقسم:(لبئس ما كانوا يفعلون).
كما قصت علينا السنة النبوية ذلك لنعتبر به، فقد روى أبو داود وغيره عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(أن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل، كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيدة، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض) ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل) وكان متكئا فجلس وقال: (والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد المسيء، ولتأطرنه على الحق أطرا - أو تقصرنه على الحق قصرا. . . أو ليضر بن الله قلوب بعضكم على بعض، أو ليلعنكم كما لعنهم).
وقد تحدث الله جل علاه عن (الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله) فقال وعدا، واشتراطا عليهم:(ولينصرن الله من ينصره أن الله لقوي عزيز: الذين أن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور).