بين الروسيين والصينيين مشابهة محسوسة وهي اشتراك كل من الأمتين في الاتصال بالمغول من طريق المجاورة والمعاشرة والمصاهرة، واقتباس كل من الأمتين كثيرا من عادات المغول ومأثوراتهم في القصة والمثل والجديلة. فمن قرأ القصص والأمثال الصينية لم يعدم بينها وبين أمثال الروسيين وقصصهم مشابهة ظاهرة في الأسلوب والمزاج، ولم يكد يتخيل بين الأسلوبين فارقا بعيدا في غير الحواشي والتفصيلات. أما الجوهر فواحد أو يكاد أن يتوحد كما يتوحد الاقربون والصحبة المتلازمون
فإذا استحضرت أمثال الروسيين وتخيلت قائلها رجلا واحدا خيل إليك أنه إنسان صبور رصين مستسلم يعرف الدنيا معرفة هادئة، ويتحدث عنها تحدث سخر ممزوج بالآلفة والمحبة، وهذه هي الصورة التي تبدو لك من قراءة القصص وألا مثال الصينية مع فارق يسير تلمحه في جملة الأمثال وقد تخطئه في المثل الواحد والمثلين، ونريد به أن صقل الحضارة أظهر في أمثل الصينيين، وأن خشونة البداوة والفلاحة أظهر في أمثال الروسيين، ويتفرع على ذلك أن الصيني أقرب إلى السلم، وأن الروسي أقرب إلى الحرب، وان كانا يتلاقيان في خصلة متماثلة وهي أنهما يباشران الحرب دفاعا فيصبران عليها ويستبسلان فيها، ويباشرانها هجوما وعدوانا فلا يتحركان طويلا للهجوم ولا يحتفظان كثيرا بحماسة العدوان
وقد ظهر هذا جميعه في حرب الصين واليابان وفي حرب الروس والألمان، فظهرت شجاعة الصينيين وصبرهم كما ظهرت شجاعة الروسيين وصبرهم، ولم يعهد للأمتين قبل الآن مثل هذه الشجاعة ومثل هذا الصبر في حروب الهجوم والعدوان
وقد تحولت من أمثال الروسيين إلى أمثال الصينيين كما تتحول اليد من فاكهة إلى فاكهة مثلها على شجرتين متقاربتين في بستان واحد، فلم أشعر أنني أبعدت النقلة بين القطفتين وان كان لابد من خلاف بين ثمرة وثمرة وان قطفتا من شجرة واحدة
والصينيون أولع أمم العالم قاطبة بالمثل السائر والنادرة المنجمة على حسب العبر والوقائع. وليس هذا بعجيب مع ما هو معلوم من محافظة القوم على شعائر السلف