للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وتبجيلهم لذكرى الآباء والأجداد ورجوعهم بالحكمة كلها إلى عظات الأقدمين. وفي ذلك تأييد لما أسلفناه في ختام مقالنا السابق عن أمثال الروسيين

قلنا في ختام ذلك المقال أن إهمال العصريين لرواية الأمثال غير عجيب إذا نظرنا إلى الخلق الغالب بينهم، (فقل في أبناء عصرنا من يقتدي بالسلف أو يحب أن يقال عنه انه من يقتدي بهم في المعيشة والسلوك، ولا معنى لسرد الأمثال ما لم يكن ديدن السلف حجة مقبولة بين القائلين والسامعين)

والصينيون يستحدثون اليوم ما يستحدثون في عادات المعيشة وآداب السلوك ولا يزالون على ديدنهم القديم من تقديس الآباء وتوقير السنن المأثورة عنهم، فلا جرم يحرصون على الأمثال حرصا لا نعهده بين المحدثين وطلاب الاستحداث في أنحاء العالم، ولا جرم يودعون في أمثالهم من روح الشعب ما هو أبلغ في الدلالة عليهم والإبانة عنهم من الأسفار والموسوعات

قال دكتور هنري هارت في مقدمة منتخباته من الأمثال الصينية: (كل إنسان في الصين يتمثل الأمثال. . . وقد سمعتها من لسان الإمبراطور كما سمعتها من لسان الخادم الوضيع، فهي عندهم العملة الجارية في اللغة، والدرب المختصر في المحادثة، وكثيرا ما تغنى عن الناقشات الطويلة وتحل العقد الشائكة. فيشوق المشاهد أن يصغي إلى المعارك الكلامية التي لا تني تتردد بين أهل تلك البلاد، إذ يعرض الخلاف الصغير فيزدحم حوله الجمع الكبير من الكسالى والمستطلعين، وإذ يحتدم المختلفان قليلا قليلا وكلهم مولود على استعداد للتمثيل، فيلوح للمشاهد أن العنف واقع لا محالة وان لم يكن الصينيون مشهورين بالملاكمة وقليلا ما يعتدي أحدهم باليد على أخيه، ثم يتفق فجأة يتقدم أحد الواقفين - ويغلب أن يكون من الكهول أو الشيوخ - فيتكلم ويأتي بمثل موجز موافق للمقام، فكأنما تلك الكلمة النافذة المحبوكة هي الكلمة التي كان ينتظرها الطرفان المتشاجران، فتنحل العقدة المعضلة، ويتراجع الخصمان، ويتخافت صوتاهما العاليان، وترتفع ابتسامة في مكان العبوس، وتنتهي المشاجرة على خلاف ما يود المشاهدون من طلاب الضجيج والعجيج)

وهذا المشهد الذي وصفه المؤلف قد نراه في مصر ونذكر الكلمات التي تفض بها مشاجرات الطريق، فهي في الغالب أمثال شائعة، وفي الأغلب عظات من الكتاب والسنة

<<  <  ج:
ص:  >  >>