سعيت أمس لعزائك، في (رجائي) و (رجائك)، فرأيتك واجماً ساهماً، مولهاً مدلهاً، فانعقد لساني، وتخلف ذهني، وفاض دمعي
وكيف أستطيع عزاءك وما استطعت أن أعزي نفسي؟ أو كيف أستطيع أن أخفف ما بك وما استطعت أن أخفف حزني؟
رأيت بك كمداً باطناً، وحزناً مكتمناً، فعلمت أنك تتجرع غصص الهم، وتختزن برحاء الكرب، فتمنيت أن تخفف عنك بصرخة، وتنفس عن نفسك بدمعة، ولكن عز الصبر، وعز الدمع، فما هي إلا زفرات تذيب لفائف القلوب وتنفطر لها المرائر
واو رحمتاه لك! لقد كان (رجاء) قبلة رجائك، ومعقد آمالك، وحديث أحلامك، وملء سمعك وبصرك، تشوفته حياتك، وترقبته مطلعَ شبابك، حتى جاد به الزمان البخيل، فربطت اسبابك بأسبابه، وتعلقت بأهدابه، فلما شمت مخايله، ورقبت منه النجح، عدا عليه الدهر الذي لا يرعى ميثاقاً، ولا يثبت على عهد، فأخلف ظنك، ونقض أملك، فإذا الدنيا أضغاث أحلام، ووساوس أطماع
ولكن يا أخي - ما الجزع مما لابد منه، وما الهلع مما قدر، ومثلك من يعرف مقدار الحياة وهوانها، أفليست إلا مرسحاً تمثل عليه أدوار مختلفة، مرة مهزلة، ومرة مأساة، ونحن في حين ممثلون، وفي حين ناظرون. وليس لنا أن نبالغ في الألم، ونغلو في الجزع، فقد كان يكون لذلك وجه من الحق لو ذهب من ذهب أبداً، وعشنا بعده أبداً، وإنما الأمر دور يعقب دوراً، ولا حق منا إثر سابق، وإنا لله وإنا إليه راجعون
وأية سعادة نجدها في هذه الحياة حتى نحزن على الراحل، ونبكي على الميت، ونود أن لو بقى ليستمتع بها، ويتذوق طيباتها، إنما هي سلسلة عناء، وضروب شقاء، تنوعت ألوانها، واتحدت حقيقتها، ولو أنصفنا لغبطنا من مات، وأشفقنا على من بقى، ومن مات في صباه فقد اختصر الحياة واختصر همومها وأحزانها، ووفر على نفسه عبئاً ثقيلاً ينتهي مختصره بما ينتهي مطوله، وخير للزهرة أن تذهب وهي ناضرة تعجب الناس، من أن تذهب وهي ذابلة يعافها الناس