فخذ الحياة كما هي، ليل ينقضي في أثر ليل، وقوم في أثر قوم، وحادث يستذرف الدمع يعقبه حادث يخفف الهم، وقل كما قالت الخنساء:
فلولا كثرة الباكين حولي ... على إخوانهم لقتلت نفسي
وما يبكون مثل أخي ولكن ... أعزي النفس عنه بالتأسي
وليس الوفاء للميت بالإفراط في الحزن، والإمعان في البكاء، إنما الوفاء بمقابلة دواعي الحزن بدواعي الصبر، وليست الحكمة في إضعاف الحي من أجل الميت، إنما هي في أحياء الحي من أجل الحي والميت
وقد أخطأ الناس فغلوا في استفظاع الموت والاحتفاء به، وهولوا في الاستكثار من مظاهره، ولو عقلوا لقابلوه كما يقابل كل قانون طبعي في هذا العالم، زهرة تنضر وتذبل، وشمس تطلع وتغرب، ونجم يتألق ويأفل، وسماء تصحو وتغيم - ولو عقلوا أيضاً لرددوا هذا المعنى في نفوسهم، واطمأنت له عقولهم؛ فإذا كان فهو ما تخيلوه، وإذا حدث فهو ما توقعوه، وإذن لخف الألم وانقطع الجزع
أي أخي - ليكن ما أراده الله، ولنلوّن حياتنا بلون من ألوان التصوف، رضاء بالقدر، واستخفاف بالعالم وما فيه، وطمأنينة إلى قوانينه، وإيمان بعظمة الله وسلطانه، والتجاء إليه أن يتولاك برحمته ويظلك بإِحسانه
أي أخي - لقد أصبحت منسرق القوة، ضعيف البنية، مرهف الحس، رقيق الصحة - ولئن كان الانتحار جريمة لا تغتفر، ويأساً لا يرضاه الله، فليس هو - فحسب - في إطلاق عيار ناري، أو إلقاء النفس في اليم، أو ما عهدت من ضروب إزهاق الروح، ولكن من ضروبه أيضاً الاستسلام للحزن والتسمم بالغم، والاسترسال في أسباب الكرب، فهو انتحار بطيء ولكنه شر من الانتحار العاجل أعيذك بالله منه، وأربأ بنفسك عنه
فهوّن على نفسك، وإن خاب رجاؤك في (رجاء) فحقق الله أملك في (علاء) وعش له ولنفسك وللناس