للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[رسالة الفن]

من الحياة والفن

قصة صورة

للأستاذ نصري عطا الله سوس

يشارك العمل الفني الخالد الحياة في خلودها وعمقها وتجددها، وتعدد الآراء فيها واختلاف وجهات النظر إليها، غير أن العمل الفني يمتاز على الحياة باشتماله على عناصر لا تستمد من الطبيعة الخالقة الموجبة، بل من شخصية الفنان وعبقريته. فالعاطفة الزاخرة التي تحتضن الأكوان، والخيال المتوفز المتقد الذي يبدع من صور الجمال ما لا وجود له في الطبيعة، والعقل النفاذ الذي يعاون العاطفة والخيال. . . كل هذه عناصر إنسانية يشتمل عليها العمل الفني الممتاز ولا وجود لها في الطبيعة - وسر خلوده هو أنه خلاصة فترة من حياة رجل عظيم استطاع أن يسبر من أغوار الحياة ما لم يستطعه الناس، رجل يتيح لهم - بفنه - مشاركته عواطفه وخيالاته وأحلامه. ونحن حين نتأمل عملا فنياً كبيراً نحس أننا في صحبة إنسان كبير يقود خطانا نحو أقاليم شاسعة لم نرها، ويفتح عيوننا على صور من الحق والخير والجمال لم نعرفها من قبل. فالعمل الفني الكبير يفضل الحياة لأنه منبع السرور الإنساني النبيل في كل حين، والحياة تسر حيناً وتحزن أحياناً.

. . . ذلك هو الخاطر الذي جال بنفسي عندما أردت أن اكتب عن (الجيوكانده) أو (موناليزا) أقيم أعمال الفنان الخالد (ليوناردو دافنشي) وأكثرها دلالة على شخصيته ونهجه في الإنتاج.

ولقد كان ليوناردو (١٤٥٢ - ١٥١٩) نجماً لامعاً من نجوم النهضة الأوربية في القرن الخامس عشر، ونستطيع أن ننحي التاريخ جانباً ونقول أنه أحد الأفذاذ القلائل والعبقريات الضخمة في تاريخ البشرية كله، لم يجد معاصره (فاسارس) وصفاً يصفه به إلا قوله أنه قدس وأنه فوق مستوى البشر، وقال عنه نيتشه (إن فيه شيئاً صامتاً أعلى من مستوى الروح الأوربية، وهذه خاصية رجل تكشفت له الحياة عن محيط واسع جداً من الخير والشر) وقال هافلوك إليس: (عندما يلعب خيالنا بفكرة السوبرمان يرد لوناردو على خاطرنا

<<  <  ج:
ص:  >  >>