للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[خاطرة]

أين السلف الصالح؟

للأستاذ أحمد عبد اللطيف بدر

قد تباده المرء أمور فيها من العجب ما يبعد المبادهة، والعلم نور الله في الصدور وهو لا يهدي لعاص، ولا يهتدي به ضال، ولا يسير في هديه مضل!

وللعلم (كرامة) يجب أن ترتفع عن الشهوات، وتخاصم الأهواء والنزعات، لكنه أرخص في مرتخص المنافع واتضع باتضاع الخصاصة النفسية، فأصبحت لا تجد إلا أنقاضاً على هيئة شخوص لهم أناقة المظهر، وشناعة المخبر، وفيهم بروق النفاق، ومروق الرياء، وبقلوبهم شح الوفاء، وكرم القدر، يلبسون لكل حال لبوسها، ويسيرون في كل ركب، وقد أزالوا عن نفوسهم توقر المحافظة، وتوقي المؤاخذة، واندفعوا مع تيار الحياة، يحتالون عليها وتنافسون في أسلابها، حتى سلبوا المهابة، وأضاعوا معاني القناعة!

أين السلف الصالح؟ وأين مجد العلم؟ وأين قوة الروح لدى العلماء؟ لقد كانت بطونهم جوعي وأرواحهم شبعى! وكانت حلوقهم ظمئ وعقيدتهم ريا! تسابقوا في الفضل، ولم يتنافسوا على الفضالة! وانطلقوا مع الملائكة ولم يلحقوا في ركاب الشراهة

كانت يدهم رخصة ولم تكن رخيصة، وكانت رغباتهم معتزة ولم تكن ملتذة!

رحم الله عهدا تنوسيت فيه آمال ومطامح، واتصلت فيه وشائج العلم في أروع صوره! أين ذهب هذا العهد ولم يتغير الزمان؟

لقد كان لي جد يدرس في معهد ديني، ويدرس العلم في مسجد، ثم يتقاضى ستين قرشاً وهو عالم ممتاز؛ ثم وثب راتبه إلى عشرة جنيهات في مدى ثلاثين سنة!

إن الشيخ أحمد بدر العالم الدمياطي الذي قابل الإمام محمد عبده في أخريات حياته، وأطلعه على كتاب في (المنطق) جعله حسبة للراغبين، وأخفى عليه أمر راتبه حتى علم؛ فجازاه هو راض قانع!

إني لأبصره بعد خمس وثلاثين سنة - وأنا ابن سبع سنين - يجتمع في حلقته جمع يأخذ عنه، ويقبس منه؛ وأكاد أتبين معنى ما يقول لأن علمه مشرق الروح، وأنس القلب، وراحة النفس؛ فأين ذهب هذا كله اليوم؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>