الأصيلة، وبين من يضله الله على علم، فينقل ما وعاه من دواوين الفرنجة، دون أن يشعر بإحساس صادق لما يقول، ويزيد فيجعل لغته قلقة مفككة تنادي على نفسها بالويل والثبور.
ولقد نشأ الشاعر في أسرة عربية عريقة يتصل نسبها بالنعمان ابن المنذر عظيم الحيرة في عهدها البسام، فلا غرابة إذن حين نجد الأرسلانيين مفطورين على الطبائع العربية التي تحدث عنها تاريخنا المجيد، من حب للمروءة، وذود عن الحياض، وتعلق بالشعر يسمعه العربي، فتهتز أعطافه مرحاً، ويرقص قلبه طرباً على موسيقاه، لأنه يفصح عن ذات نفسه أصدق إفصاح.
وسيصدق القارئ كلامي هذا حين يعلم أن الأمير شكيباً وأخويه الأميرين نسيباً وعادلاً قد تركوا للشعر العربي كنزاً ثميناً يعتز بفرائده ويباهي بلآلئه وما ظنك بأشقاء ثلاثة فيهم الصناجة الصناع، والذواقة المفن، والطائر والصداح.
وقد ولد شكيب بعد أخيه نسيب بسنة ونصف فنشأ كالتوأمين دخلا المدرسة معاً، وتخرجا معاً، وبدت مخايل شاعريتهما في سن مبكرة، وهل سمعت أن شاعراً نشر قصائده في الصحف وهو في الرابعة عشرة من عمره قبل شكيب؟ وهل سمعت أن شاعراً كان الأول في مسابقة شعرية عامة، وهو في السادسة عشرة قبل نسيب!؟ كل هذا كان بفضل الموهبة الشعرية التي انتقلت إليهما عن طريق الوراثة، والتي ترعرعت بما حفظاه في عهد الحداثة من شعر جيد، قد ارتقى بهما درجات في سلم الكمال.
على أن القدر قد ساق إليهما في ذلك العهد الشيخ محمد عبده إذ كان أستاذاً في المدرسة السلطانية ببيروت، فدلهما على شعر البارودي وهو كما نعلم إشراق لفظ وجودة معنى، حيث أكبا على قصائده حفظاً واستظهاراً، ولا تسل عما يفعله الشاعر المعاصر في أبناء جيله، فهو يقرب إليهم البعيد، ويدني منهم الشاسع، كما يخلق فيهم الرغبة الملحة في الارتقاء إلى منزلة، والصعود إلى ذروته، ومن هنا كان سامي نهراً صافياً فاض عليهما في بيروت بالنمير العذب كما فاض على شوقي وحافظ بوادي النيل.
ولقد كان أثر البارودي في شكيب أوضح منه في نسيب، فإنه جذب الأول إلى من يشابهونه من شعراء بني العباس، فكان قنطرة عبر منها الأمير إلى البحتري والمتنبي والشريف وأخيراً ممن قطف رب السيف والقلم أزاهيرهم الناضرة؛ أما نسيب فقد عكف - كما يقول