أمير البيان - على قراءة شعراء المعلقات ومن لف وأنت حين تقرأ له تحتاج إلى غير قليل من التريث والاطمئنان، على أنه قد يتأثر بالبارودي فتراه وسطاً بين الجزالة والسلاسة كأن يقول في فقير بائس.
يخد أديم الأرض خداً كأنما ... له قبل الغبراء ثأر مخلف
جبين بمرفض الصبيب مضمخ ... وشعر بملتص الغبار مغلف
وجيد خفوق الأخد عين كأنما ... تبينت من أوداجه الدم ينطف
إذا زلزلته سرعة الخطو أوشكت ... أضالعه في زوره تتقصف
كأن أزير الجوف عند وجيبه ... حسيس هشيم والندى يتوكف
يساقط نثر الطين عنه إذا مشى ... كما فض ختم الدين سكران معنف
كأني به إذ فرق الترب والحصى ... يفتش هل في باطن الأرض منصف
إذا استنجد الآمال عند اكتئابه ... تبدي له ستر من القار مغرف
وعلى كل فقد كان أمير البيان أكثر توفيقاً في هيامه بالشعر العباسي وحده، فقد نضح عليه من العذوبة والرقة، ما جعل شعره حبيباً إلى نفوس قرائه. ومن نعم الله على شكيب أن هيأ له الأسماع التي تصيخ معجبة إلى إنتاجه من يوم أن عرفته العربية أديباً يافعاً يتنقل بين حجرات درسه فكان لا ينشر في الجرائد - مع حداثة عمره - قصيدة إلا تردد صداها في ربوع الشام، ولقد شجعه هذا على المضي في سبيله، فاستمر يظهر للعيون قلائده من حين إلى حين، وما بلغ السابعة عشرة من سنه، حتى جمع ما نشره متفرقاً في الصحف بديوان صغير أسماه الباكورة، وقد جعل إهداءه للأستاذ الإمام، متودداً إليه في تواضع، معترفاً بضآلة هديته في جانب ما يليق أن يهدي إلى حكيم الإسلام فهو يقول في إهدائه.
هي دون ما يهدي إليك وطالما ... قبل الكبير هدية من صاغر
أهديتها لا لكي تليق وإنما ... مثلى على ما فاق ليس بقادر
ومهما يكن من شئ فقد كان لظهور الباكورة رنين في مختلف الصحف الشامية، فهذا تقرظ، وتلك تنقد، مما أكسب الشاعر الناشئ منزلة في القلوب، والواقع أن في ديوان الباكورة شاعرية غضة، تدل على مستقبل زاهر، إلا أنها - والحق يقال - لا تستأهل هذه الضجة الكبيرة، إذا قيست بما يقال في عهدنا الحاضر بعد تنوع المذاهب الشعرية، ولكنها بالنسبة