شيئاً بعينه يفند هذا الزعم، أو يحتسبه على العامة، فيرد عليهم بدعتهم، كما ترد على عامة المصريين بدعمهم في تعظيم المشاهد المصرية والقبور، ولكنه لم يفعل فلم يرح القارئ.
وكيف يكون الأمر إذا كانت كتب الشيعة تقرر هذا التفضيل المكاني بقسوة وعنف؛ وتجعل مكة وبيتها الحرام ذنباً متواضعاً ذليلاً مهيناً غير مستنكف ولا مستكبر لكربلاء، وإلا هوى الله بها في نار جهنم!!. وهذا عالم فارسي شيعي من المحدثين قد أشرب روح العصر واعتداله أو تساهله إن شئت، وهو مع ذلك ينقل عن قديم كتبهم هذا التفضيل؛ بل يعد المروى فيه متواتراً عندهم!! ذلك العالم هو الشيخ أحمد بن عبد الله الكوزه كناني، صاحب روضة الأمثال في تفسير آيات التمثيل بالقرآن الكريم، وكتابه مطبوع في فارس ومنه نسخة في دار الكتب المصرية.
عقد الشيخ فصلاً (في فضيلة أرض مكة وفضائل بيت الله.) الخ ص١٨٧. واستطرد في خلاله بفصل عنوانه (في أن أرض كربلاء أفضل من الكعبة) ص ١٨٨ وفيه يقول ما نصه: -
(أقول قد ورد في أخبارنا الخاصة أن أرض كربلاء أفضل من الكعبة مثل ما في البحار عن. . . عن أبي عبد الله. . . قال إن أرض الكعبة قالت منْ مثلي: قد بني بيت الله على ظهري، يأتيني الناس من كل فج عميق، وجعلت حرم الله وأمنه؛ فأوحى الله إليها أن كفي وقري، ما فضل ما فضلت به فيما أعطيت أرض كربلاء إلا بمنزلة الإبرة غرست في البحر، فحملت من ماء البحر، ولولا تربة كربلاء ما فضلتك، ولولا ما تضمنته أرض كربلاء ما خلقتك ولا خلقت البيت الذي افتخرت به، فقري واستقري، وكوني ذنباً متواضعاً ذليلاً مهيناً، غير مستنكف ولا مستكبر لأرض كربلاء، وإلا سخت بك وهويت بك في نار جهنم) إلى مرويات أخرى في هذا المعنى آخرها قول الرسول عليه السلام (يقير ابني في أرض يقال لها كربلاء هي البقعة التي كان عليها قبة الإسلام التي نجى الله عليها المؤمنين الذين آمنوا مع نوح في الطوفان)، ونختم هذا الفصل بقوله (والأخبار في هذه المعاني في خصوص كربلاء متواترة من أرادها فعليه المجلد الثاني والعشرون المسمى بمزار البحار).
فليس الأمر من مبالغة العامة، ولا من عمل العامة الذي لا تفسر به عقائد الأمة ولا نكر على الرحالة، ولا فظاعة فيما أخبر به.