على أن الشتاء قد يفرط في قوته وقسوته حتى لتبطل فيه كل حيلة الإنسان فلا يبقى له غير حيلة الحيوان: جلد دب مسلوخ، وإيواء إلى كوخ، كأنه كهف، أو كهف كأنه كوخ، وهكذا شتاء القبائل الحافين بقطب الشمال
وإن الصيف ليفرط في طلاقته حتى تنقلب إلى مطاردة كأنها الملاحقة بالسياط الكاوية، فتبطل فيه كل حيلة الإنسان، ولا يبقى له غير حيلة الحيوان: بركة ماء، أو ظلال غابة غبياء، وكذلك صيف خط الاستواء
ولا بركة في هذا ولا في ذاك، وإنما البركة فيما لم يجاوز الحدين من هذين الموسمين
وبعد فنحن نذكر بركات البرد والحر، فهلا ذكرنا أناساً لا يجدون البركة في أوان، ولا في مكان؟
يقول حكيمنا:
لقد جاءنا هذا الشتاء وتحته ... فقير معرى أو أمير مدوج
وقد يرزق المجدود أقوات أمة ... ويحوم قوتا واحد وهو أحوج
هذا الواحد أولى بذكر الألوف، لأنه واحد تجتمع منه ألوف، ولن ينساه في مستهل الشتاء إلا مخلوق يستحق النسيان، بل يستحق الذكر بالمسبة إن كانت قوانين أبناء آدم لا تذكره بالزجر والعقاب
ما تمنيت لمصر عملا من أعمال الأمم التي هدمت الديمقراطية إلا إعانة الشتاء التي يخرج كبراء الألمان لجمعها من الخاصة والعامة في الطرقات والأسواق: ذلك عمل مجيد نحن به أولى، ونحن إليه أحوج، ونحن عليه أقدر، فيما يبدو لنا من تفاوت بين رخاء بلادنا وضنك البلاد الأخرى
فإذا ألهمنا أن نعين المحتاجين منا إلى معونة الشتاء فقد حق لنا أن نسبغ على شتائنا صفة الأمان الشامل، وأن يشتمل علينا جميعاً راضين آمنين. . . ونرجو أن نلهم هذه المبرة فما فيها مشقة على قادرين ولا أشباه قادرين