للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أن أشكوَ إلا إليك. . . ولا أستمد العَوْن إلا منك، ولا أفرّج الكربة عن صدري إلا بك، ولا أستروح الحياة إلا في ظلك، ولا أجلو صدأها إلا بشدوك، ولا أنير حلكتها إلا بنور إيمانكَ، حتى تَنقشعَ ظلماتُها بما ترقرق فيها من ضوء بيانك، وتنجاب غياهُبها بفيضٍ من لآلاءِ عرفانك!!

لماذا صمتّ هكذا يا قلمي الحبيب؟ ألست تُحسِن أن تغنّي مع هذه الأقلام التي تملاء

الوادي دَوِيّا؟ ألست تُجيد أن تنبت الزهر يانعاً في قلوب العذاري؟ ألست تستطيع أن ترقرق الدمع في عيون المحبين؟ ألست تقدر أن تسكب في قلوبهم رضى ورحمة؟ ألا يسعك أن تَشْدُوَ في هدأة الليل النائم فتلين أفئدة وتتسلى أفئدة! هل هكذا تنسى أَودَّاءَك المكلومين والمحزونين؟ تخاف علىّ؟ لماذا؟ لأن الأطباء آثروا عافيتك؟ وأي أديب لا تساقط نفسه من قلمه أَنْفُساً؟ ثُرْ على الطب يا قلمي جعلت فداءك!! إن الذي يقتلني هو هذا الصمت وذاك السكون!! ما قيمة الحياة التي تنقضي في مثل العزلة الرخيصة والركود الآسن؟! لقد مللتُ من طول ما قرأتُ فلا تجعلني أنانياً! لماذا أعيش في سجن هذه الوحدة لنفسي فقط، فلا يكاد الوجود يحس بي؟ لماذا آخذ ولا أعطي؟ لماذا جمدت الدموع في عينيّ، والرحمة في قلبي، والشعر في روحي، فلست أبكي في هذه الزحمة من البكاء والآلام والدم؟ أبأمر الأطباء تصمت عامين طويلين يا قلمي الحبيب؟ هل انتفعت إذن بهذا الصمت الطويل؟ هل رد جمودك برد الشباب على جسمي المحطم؟ هل أسا العلة تخلّفك عن موكب الحياة؟ تصمت عامين كاملين في أحفل حقبة من عمر الإنسانية، وخلال مأساتها الدامية: ألا ما أرخص الحياة التي يبقى عليها أطباءك، وما أحبّ إلىَّ أن تتخذ من ذمائها مداداً يكفي لكتابة سطر في سجل محنتها!

منعك أطباءك من إدمان السهر، فهل نمت؟ وحظروا عليك طول الإكباب على الكتب فهل

سلوت؟ وقالوا لك أرح ذهنك فهل منعوا أطياف المعرفة من الإلمام به؟ لشد ما ضحكوا عليك ولهو بك يا قلمي الحبيب! ولشد ما أضحكوا عليك هوميروس وإسخيلوس وصحبهما الآخرين!!

أستيقظ إذن!

فتح أكمام الورد آماق النرجس وحدق البنفسج، وأرو روح الحديقة الظامئ مما عندك من

<<  <  ج:
ص:  >  >>