زالت تختلف إلى مجلس أبي بلال بعض الليالي تأنس بالشيخ وبصحبه فينمو إيمانها في هذا الجو المشبع إيمانا ويقوى جلدها على احتمال أتعاب النهار وأخطاره
جلس أبو بلال ذات ليلة وانضم حوله الصحاب متشوقين إلى سماعه، فما عرفوا لديه إلا الصواب، متلهفين إلى حجمه وآيات إيمانه، فقد كانت لقلوبهم وعقولهم خير غذاء في هذا الجو المكفهر المضطرب. ولكنه ما كاد يلتئم جمعه ويبدأ حديثه حتى قام إليه أحدهم وهو غيلان بن خرشة الضبي وقال:(يا أبا بلال أني سمعت الأمير البارحة عبيد الله بن زياد يذكر البلجاء واحسبها ستؤخذ.)
وجم المجلس وفكر الشيخ طويلا. فالبلجاء كانت من خير أعوانه، وكان الذين دخلوا على يديها في المذهب الجديد غير قليلين، فلابد إذن أن ابن زياد عرف هذا ولابد أنه بعد أن عرف قدر وفكر، ولابد انه من بعد أن قدر قرر، ويا عظم ما قرر! وتنازعت نفسه عوامل عدة ولكن أقواها كان الخوف على البلجاء، خوف العار لا خوف القتل.
ولم يستمع القوم لأبي بلال هذا المساء فقد كان فكره مشغولا وعقله مضطربا. ينتظر البلجاء فلا تأتي، ويطول الانتظار. وما كاد المجلس يخلو حتى عدا إليها مسرعا. وفي الطريق قدر رغم إسراعه وفكر. ماذا يقول لها؟ ثم يصحها؟ لقد كان يذكي إيمانها كل يوم فيسره هذا الإذكاء، أيطفئ اليوم هذا النور بيده أو يداريه فيحجب شعائه، ولكن بطش زياد عظيم وانه لجبار عنيد.
وصل إلى بيت البلجاء فوجدها قد آوت إلى فراشها من تعب النهار ولكنها ما كادت تسمع صوت أبي بلال في الفناء حتى قامت إليه مسرعة وقلبها يكاد يحطم صدرها من اضطرابه ما سر هذه الزيارة المتأخرة؟ وماذا عند أبي بلال وقد آوى الناس إلى فراشهم إلا القليل؟ ولكن أبا بلال لم يطل عليها الاضطراب فقد قر رأيه ولم يعد لديه إلا قولا واحد يقوله لها
- إن الله قد وسع على المؤمنين بالتقية فاستتري فان هذا المسرف على نفسه، الجبار العنيد قد ذكرك.
وكان موقف البلجاء جليا واضحا فلم يكن ذكر ابن زياد لها أمرا مستبعدا ولم يكن خوف أبي بلال عليها شيئا غير منتظر ولكن ألام يدعوها أإلى اليقين وهل عرف التقية ذوو الإيمان القوي؟ ورنت في إذنها الآية (إلا من اكره وقلبه مطمئن بالإيمان) أي رحمة، أي