للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شفقة، أي تقدير للإنسان أي فهم لضعفه ولنواري ولكن الإيمان النار القوية الملتهبة ما هذه الحشرات التي تدنو منها الخوف؟ أخوف الموت؟ أعار التعرية؟ والنار القوية تحرق كل حشرة تدنو منها فتزداد بهذا الاحتراق قوة ولهبا وهؤلاء الذين دعتهم فلبوا أيشهدون خبو هذه النار التي مسهم شررها فآنسوا إليه؟ كلا كلا وايم الله!

- أن يأخذني فهو أشقى أما أنا فما احب أن يعنت إنسان بسبي.

السوق هائجة مائجة والناس تروح فيها وتغدو وعلى وجوههم غبرة قاتمة حاسرة. كل وجه عليه مزيج من علائم الحزن والاضطراب والاشمئزاز والسخط ماذا في السوق ما الذي يثير كل هذه العوامل في نفوس الناس فتغير من ملامحهم تغييراً أليما منكرا:

جاء أبو بلال إلى السوق والفى القوم على تلك الحال ولكن لم يتساءل فقد وجد أبصارهم عالقة بشيء منصوب عن بعد فما لبث أن رفع هو بصره إليه، مإذا؟ أجسد امرأة قطعت يداها ورجلاها؟ ومن تكون تلك التي أثارت حفيظة الأمير فنكل بها هذا التنكيل البشع؟ الجواب يضطرب في صدره ولكنه لا يقوى على تصديقه والمرء إزاء المصائب اعزل لا سلاح له إلا محاولة إنكار الواقع أيكون حلما؟ أأكون مخدوعا؟ والمصائب ثابتة في عالم الحقيقة تهزأ بهذا الإنكار.

دنا أبو بلال من أحدهم وفي نفسه أمل ضعيف خائر وهمس في إذنه من تكون؟

- البلجاء

واقترب أبو بلال من الجسد المنصوب وعيناه عالقة به ونفسه كليمة حسرى. ما اعجب الحياة وما أمر هزء الحقيقة إذا ما انتصرت على كل إشفاق من حقيقتها.

وأملت البلجاء على أبي بلال درسا عوض كل ما ألقاه عليها من دروس. ما هو؟ ما قيمته؟ وما قيمة تعظيم الجماعة إياه امام هذه في عليائها؟ ما أعظمها! ما اجلها! وما أحلى رضائها عن نفسها! وعض الشيخ على لحيته وقال لنفسه:

لهذه أطيب نفسا عن بقية الدنيا منك يا مرداس.

سهير القلماوي

<<  <  ج:
ص:  >  >>