ويعرض عرشه نفسه للهلاك. . ولكنها إرادة الشعب القاهرة، التي تمثل حركة الزمن، والتي تمثل إرادة الله. ولله غالب على أمره. ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
وما من شك أن النصر في معركة الحركة سواء وقفت الهيئات الحاكمة مع الاستعمار أو ضد الاستعمار. ولكن وقوف هذه الهيئات الحاكمة في كل مكان بجانب الأهداف الشعبية سواء كان ذلك اختيار أم اضطرارا، هو أمر له دلالته وله معناه. . ومعناه الواضح الصريح: أن حركة التحرير. وأن قوة الشعوب، قد بلغت المرحلة التي تجرف معها خصومها وأنصارها على السواء، والتي تتحكم في الوقوف، وتملى على الهيئات الحاكمة ما تشاء.
ولم يكن إلا هذه الظاهرة ومدها لكفى بها دليلا على قرب النهاية، لتقلص ظل الاستعمار البغيض، الذي دام أكثر مما ينبغي، وعاش أكثر مما تقتضي طبيعته أن يعيش. . ولكن هذه ليست الظاهرة الوحيدة في معركة التحرير. . فالظاهرة الأخرى في المعسكر الآخر هي ظاهرة الضيق والتبرم العنيف بالحركات التحريرية، ظاهرة هياج الأعصاب، وفقدان الصبر، والفزع والقلق والاضطراب. . ولهذه الظاهرة دلالتها على الضعف الذي ينشأ عنه الزعر والهلع. فدولتا الاستعمار الغربي: إنجلترا وفرنسا كلتاهما تعاني حالة من الإفلاس المالي والضعف العسكري، تشير إلى بداية النهاية كذلك. وليست واحدة منهما أو كلتاهما بقادرة على خوض معركة طويلة الأمد مع الشعوب التي لا تفنى. لا مواردهما المالية ولا مواردهما العسكرية تسمح لها بخوض مثل هذه المعركة، في أرض خارجية تفصلها عنهما مئات الأميال؛ لذلك تريدان أن تضربا حركات التحرير ضربة قاضية، سريعة، قبل أن ينكشف ضعفهما، لعل هذه الضربة أن تخلصهما من التكتل الشعبي الذي تصطدمان به كل مكان.
ولكن هيهات هيهات! لقد مضى الزمن الذي كانت الحركات الشعبية فيه لا تزيد على أن تكون فورات وقتية، تطفئها ضربة قوية، أو انقلاب سياسي، أو مناورة دبلوماسية. . لقد استحالت الحركات الشعبية تصميماً شعبياً لا يتزحزح - مهما تغيرت الأحوال - وإرادة واعية تستمد وقودها من رجل الشارع، لا من المفكرين والمتحمسين والزعماء.
ولا أحسب أن إنجلترا أو فرنسا تشك لحظة في النهاية المحتومة! فإن تجارب البشرية كلها