معروضة أمامهما؛ وهذه التجارب كلها تؤكد أنه ما من فكرة اعتنقها جمهور الشعب، حتى صارت فكرته الخاصة، أمكن أن تقف في طريقها قوة من القوى، في أي زمان أو مكان. . ولكن الاستعمار إنما يتشبث بمواقع أقدامه ليحصل على بعض الامتيازات الأخيرة في مقابل الجلاء. وحتى هذه الامتيازات قد أدركها الوعي الشعبي، واحتاط لها، وما عاد يسمح بشيء منها على أي شكل من الأشكال.
لقد حرق الاستعمار مراكبه مع الشعوب، بما ارتكب معها من حماقات. وبخاصة في هذه الحركات الأخيرة. ولقد استحال الصراع بينه وبين الشعوب. ثارات مقدسة، وأحقادا عميقة. فما عاد يمكن أن تستجيب الشعوب لأي صوت يدعوها إلى الارتباط بعجلة الاستعمار على أي وضع من الأوضاع.
وكل من يتصور أن الشعوب سترجع القهقري عن موقفها الذي انتهت إليه، تحت أي ظرف، وتحت أية مناورة. . إنما يخطئ في فهم طبيعة الحركات الشعبية، وينسى عبر التاريخ وشواهده. . إن كل خطوة يكسبها الشعب لا يمكن أن يتخلى عنها، لأن حركة الشعب هي حركة الزمن. والزمن لا يرجع القهقري، ولا يتحرك مرة إلى الوراء.
ولقد يخفت صوت الشعوب أحياناً، وتتوارى حركتها. . ولكن هذا ليس إلا ستاراً ظاهرياً لحركات خفية إلى الأمام. حركات تتم في ضمير الشعب، وتنضح في أعماقه، ثم تبدو في صورة فورة جديدة، وقفزة واسعة، يخيل إلى بعض الناس أنها مفاجئة. وليست في حقيقتها إلا امتداداً طبيعياً لم تظهر خطواته، لأنها كانت تتم في صمت، في أثناء فترة السكون.
إنها بداية النهاية، فعلى بركة الله فلتسر مصر، ولتسر تونس، وليسر كل بلد يشتبك اليوم في معركة التحرير الخالدة التي أوقدها الله.