للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

روح الإسلام جعلت الجيش العربي كأنه اثنا عشر ألف مدفع بقنابلها؛ لا يقاتلون بقوة الإنسان، بل بقوة الروح الدينية التي جعلها الإسلام مادة منفجرة تشبه الديناميت قبل أن يعرف الديناميت!

ولما نزل عمرو بجيشه على بلبيس، جزعت مارية جزعا شديدا؛ إذ كان الروم قد أرجفوا أن هؤلاء العرب قوم جياع ينفضهم الجدب على البلاد نفض الرمال على الأعين في الريح العاصف؛ وأنهم جراد إنساني لا يغزو إلا لبطنه؛ وأنهم غلاظ الأكباد كالإبل التي يمتطونها؛ وأن النساء عندهم كالدواب يرتبطن على خسف؛ وأنهم لا عهد لهم ولا وفاء، ثقلت مطامعهم وخفت أمانتهم؛ وأن قائدهم عمرو بن العاص كان جزارا في الجاهلية، فما تدعه روح الجزار وطبيعته؛ وقد جاء بأربعة آلاف سالخ من أخلاط الناس وشذاذهم، لا أربعة آلاف مقاتل من جيش له نظام الجيش!

وتوهمت مارية أوهامها، وكانت شاعرة وقد درست هي وأرمانوسة أدب يونان وفلسفتهم، وكان لها خيال مشبوب متوقد يشعرها كل عاطفة أكبر مما هي، ويضاعف الأشياء في نفسها، وينز إلى طبيعته المؤنثة، فيبالغ في تهويل الحزن خاصة، ويجعل من بعض الألفاظ وقودا على الدم. . .

ومن ذلك استطير قلب مارية وأفزعتها الوسواس، فجعلت تندب نفسها وصنعت في ذلك شعرا هذه ترجمته:

جاءكِ أربعةُ آلافِ جزارٍ أيَّتُها الشاةُ المسكينة!

ستذوق كل شعرةٍ منكِ ألم الذبح قبل أن تُذبحي!

جاءكِ أربعُ آلافٍ خاطفٍ أيتها العذراءُ المسكينة!

ستموتين أربعةَ آلافِ ميتةٍ قبل الموت!

قَوِّني يا إلهي، لأغمد في صدري سكيناً تردُّ عني الجزّارين!

يا إلهي، قوِّ هذه العذراءَ لتتزوجَّ الموتَ قبل أن يتزوجها العربي. .!

وذهبت تتلو شعرها على أرمانوسة في صوت حزين يتوجع؛ فضحكت هذه وقالت: أنت واهمة يا مارية؛ أنسيت أن أبي قد أهدى إلى نبيهم بنت (أنصنا) فكانت عنده في مملكة بعضها السماء وبعضها القلب؟ لقد أخبرني أبي أنه بعث بها لتكشف له عن حقيقة هذا الدين

<<  <  ج:
ص:  >  >>