وحقيقة هذا النبي؛ وأنها أنفذت إليه دسيسا يعلمه أن هؤلاء المسلمين هم العقل الجديد الذي سيضع في العالم تمييزه بين الحق والباطل، وإن نبيهم أطهر من السحابة في سمائها، وأنهم جميعا ينبعثون من حدود دينهم لا من حدود أنفسهم؛ وإذا سلوا السيف سلوه بقانون، وإذا أغمدوه أغمدوه بقانون. وقالت عن النساء: لأن تخاف المرأة على عفتها من أبيها أقرب من أن تخاف عليها من أصحاب هذا النبي؛ فأنهم جميعا في واجبات القلب وواجبات العقل، ويكاد الضمير الإسلامي في الرجل منهم - يكون حاملا سلاحا يضرب به صاحبه إذا هم بمخالفته
وقال أبي: إنهم لا يغيرون على الأمم، ولا يحاربونها حرب الملك؛ وإنما تلك طبيعة الحركة للشريعة الجديدة تتقدم في الدنيا حاملة السلاح والأخلاق، قوية في ظاهرها وباطنها؛ فمن وراء أسلحتهم أخلاقهم؛ وبذلك تكون أسلحتهم نفسها ذات أخلاق!
وقال أبي: إن هذا الدين سيندفع بأخلاقه في العالم اندفاع العصارة الحية في الشجرة الجرداء؛ طبيعة تعمل في طبيعة؛ فليس يمضي غير بعيد حتى تخضر الدنيا وترمي ظلالها؛ وهو بذلك فوق السياسات التي تشبه في عملها الميت ما يشبه طلاء الشجرة الجرداء بلون أخضر. . .! شتان بين عمل وعمل، وإن كان لون يشبه لون
فاستروحت مارية واطمأنت باطمئنان أرمانوسة، وقالت: فلا ضير علينا إذا فتحو البلد، ولا يكون ما نستضر به؟
قالت أرمانوسة: لا ضير يا مارية، ولا يكون إلا ما نحب لأنفسنا؛ فالمسلمون ليسوا كهؤلاء العلوج من الروم، يفهمون متاع الدنيا بفكرة الحرص والحاجة إلى حلاله وحرامه، فهم القساة الغلاظ المستكلبون كالبهائم، ولكنهم يفهمون متاع الدنيا بفكرة الاستغناء والتمييز بين حلاله وحرامه، فهم الإنسانيون الرحماء المتعففون
قالت مارية: وأبيك يا أرمانوسة إن هذا لعجيب؛ فقد مات سقراط وأفلاطون وأرسطو وغيرهم من الفلاسفة والحكماء، وما استطاعوا أن يؤدبوا بحكمتهم وفلسفتهم إلا الكتب التي كتبوها. . . فلم يخرجوا للدنيا جماعة تامة الإنسانية، فضلا عن أمة كما وصفت أنت من أمر المسلمين؛ فكيف استطاع نبيهم أن يخرج هذه الأمة وهم يقولون إنه كان أميا. أفتسخر الحقيقة من كبار الفلاسفة والحكماء وأهل السياسة والتدبير فتدعهم يعملون عبثا أو كالعبث،