وقال الواقدي: كتب الوليد إلى عمر بن عبد العزيز يأمره أن يقف هشام بن إسماعيل للناس، وكان فيه سيئ الرأي، فدعا سعيد ابنه ومواليه فقال: أن هذا الرجل يوقَف للناس أوقد وُقف فلا يتعرض له أحد، ولا يؤذه بكلمة، فأنا سنترك ذلك لله وللرحم، فان كان ما علمت لسيء النظر لنفسه فأما كلامه فلا أكلمه أبداً!
وقال عمران: كان لسعيد بن المسيب في بيت المال بضعة وثلاثون ألفاً عطاؤه، فكان يدعى إليها فيأبى ويقول: لا حاجة لي فيها حتى يحكم الله بيني وبين بني مروان!
معاملة للخلفاء والولاة
قال على بن زيد: قيل لسعيد بن المسيب: ما شأن الحجاج لا يبعث إليك، ولا يحركك، ولا يؤذيك؟ قال: والله لا أدرى إلا أنه دخل ذات يوم مع أبنه المسجد، فصلى صلاة، فجعل لا يتم ركوعها ولا سجودها، فأخذت كفاً من حصى فحصبته به، زعم أن الحجاج قال:
مازلت بعد ذلك أحسن الصلاة.
وقال عمران بن عبد الله بن طلحة بن خلف الخزاعيّ: حجّ عبد الملك بن مروان، فلما قدم المدينة فوقف على باب المسجد، أرسل إلى سعيد بن المسيب رجلاً يدعوه ولا يحركه؛ قال: فأتاه الرسول وقال: أمير المؤمنين واقف بالباب يريد أن يكلمك، فقال ما لأمير المؤمنين إلى حاجة، وما لي إليه حاجة، وإن حاجته إلى لغير مقضية! قال: فرجع الرسول إليه ليه فأخبره فقال له: أجب أمير المؤمنين، فقال له سعيد ما قال له أولاً. فقال له الرسول: لولا أنه تقدم إلي فيك ما ذهبت إليه إلا برأسك. يرسل إليك أمير المؤمنين يكلمك تقول له مثل هذه المقالة؟: فقال: إن كان يريد أن يصنع بي خيراً فهو لك، وان كان غير ذلك فلا أحل حبوتي حتى يقضي ما هو قاض. فأتاه فأخبره فقال: رحم الله أبا محمد، أبى إلا صلابة.
وقال عمرو بن عاصم: لما استخلف الوليد بن عبد الملك، قدم المدينة فدخل المسجد فرأى شيخاً قد اجتمع الناس عليه، فقال: من هذا؟ فقالوا سعيد بن المسيّب؛ فلما جلس أرسل إليه فأتاه الرسول فقال: أجب أمير المؤمنين: فقال: لعلك أخطأت بأسمى أو لعله أرسلك إلى غيري! قال: فأتاه الرسول فأخبره، فغضب وهمّ به، قال: وفي الناس يومئذ بقية، فأقبل عليه جلساؤه فقالوا: يا أمير المؤمنين فقيه أهل المدينة، وشيخ قريش، وصديق أبيك، لم يطمع ملك قبلك أن يأتيه. قال: فما زالوا حتى أضرب عنه.