وقال ميمون بن مهران: قدم عبد الملك بن مروان المدينة، فامتنعت منه القائلة واستيقظ، فقال لحاجبه: أنظر هل في المسجد أحد من حداثنا من أهل المدينة؟ فخرج فإذا سعيد بن المسيّب في حلقة له، فقام حيث ينظر إليه، ثم غمزه وأشار إليه بإصبعه ثم ولي؛ فلم يتحرك سعيد ولم يتبعه. فقال: ما أراه فطن، فجاء فدنا منه ثم غمزه وأشار إليه وقال: ألم ترني أشير إليك؟ قال: وما حاجتك؟ قال: استيقظ أمير المؤمنين، فقال: أنظر في المسجد أحد من حداثي، فأجب أمير المؤمنين، فقال: أرسلك إلي؟ قال: لا، ولكن قال فانظر بعض حداثنا من أهل المدينة، فلم أر أحداً أهيأ منك. فقال سعيد: اذهب فأعلمه أنى لست من حداثه! فخرج الحاجب وهو يقول: ما أرى هذا الشيخ إلاّ مجنوناً! فأتى عبد الملك فقال له: ما وجدت في المسجد إلا شيخاً أشرت إليه فلم يقم، فقلت له إن أمير المؤمنين قال أنظر هل ترى في المسجد أحداً من حداثي فقال: إني لست من حداث أمير المؤمنين. وقال لي: أعلمه، فقال عبد الملك: ذاك سعيد بن المسيّب، فدعه.
وقال هشام بن عروة: لما تزوج الحجاج، وهو أمير المدينة بنت عبد الله بن جعفر بن أبى طالب، أتى رجل سعيد بن المسيّب فذكر له ذلك، فقال: أني لأرجو ألا يجمع الله بينهما، ولقد دعا داع بذلك وابتهل؛ وعسى الله؛ فان أباها لم يزوجها إلا الدراهم، فلما بلغ ذلك عبد الملك بن مروان أبرد البريد إلي الحجاج وكتب إليه يغلظ له ويقصر به ويذكر تجاوزه وقدره، ويقسم بالله لئن هو مسّها ليقطعنّ أحب أعضائه اليه، ويأمره بتسويغ أبيها المهر، وبتعجيل فراقها، ففعل فما بقى أحد إلاّ سره ذلك.
وقال المطلب بن السائب: كنت جالساً مع سعيد بن المسيب في السوق فمرّ بريد لبني مروان، فقال له سعيد: من رسل بني مروان أنت؟ قال: نعم. قال: كيف تركت بني مروان؟ قال: بخير. قال: تركتهم يجيعون الناس ويشبعون الكلاب! فاشرأبّ الرسول، فقمت إليه فلم أزل ارجيه حتى انطلق فقلت لسعيد: يغفر الله لك، تشيط بدمك؟ فقال: أسكت يا أحيمق! فو الله لا يسلمني الله ما أخذت بحقوقه.
وقال صالح بن كيسان: حجّ الوليد بن عبد الملك، فلما دخل المدينة غدا إلى المسجد بنظر إلى بنائه، فأخرج الناس منه، فما ترك فيه أحد، وبقى سعيد بن المسيّب ما يجترئ أحد من الحرس أن يخرجه! وما عليه إلا ربطتان ما تساويان إلا خمسة دراهم مصلاه. فقيل له لو