التي تجعل المرء كريماً أو شجاعاً؛ فالكرم عادة وخلة تغلب على الطبع، والشجاعة قوة للتغلب على المكاره مردّها النفس، وليس للعقيدة دخل فيها، وإن كانت العقيدة تتلون بها.
وفي المقال الثاني يتكلم الكاتب عن (الكيف والكم) ويقدر أن تقدير الأشياء بالكم شيء يرتبط بالطفل في نشأته والأمة في طفولتها. ولما كان كل إنسان مر في طور الطفولة، والأمم جميعها مرت بهذا الطور، لهذا علق بالذهن الإنساني تقدير الأشياء بكمِّها. وهذا كلام صحيح ولكن يغلب عليه التقرير دون التحليل، لأن التحليل يستلزم النظر في أسباب ارتباط تقدير الأشياء بكمها بطور الطفولة عند الإنسان.
وفي المقال الثالث عن (صديق) تجد الكاتب يولي وجهة من التقرير للأمور، فيبدع في عرضه وتصويره، ولكنه لا يتناول ببحثه وجه تحطم صديقه من التناقض الذي في نفسه. هذا. . . وهل يمكن أن يوجد إنسان ليس له وحدته النفسية إلاّ ويكون منحلاً شخصية إلى شخصيات، وإذن كان الوجه التحليلي في هذا الموضوع أن يتناول الكاتب ببحثه تداخل الشخصيات التي انحل إليها شخص صديقه، ويبين أثر هذا التدخل في إيجاد الاضطراب في نفسه حتى انتهى إلى تحطيمه.
وفي المقال الرابع كلام عن (أدب القوة وأدب الضعف) ظاهره جميل، ولكن أدب الضعف الذي يلمسه الكاتب في الأدب العربي أليس صورة صادقة من الحياة العربية؟ إذن ماذا يطلب الكاتب؟ أيريد من الخراف أن تلبس جلد الأسود؟ هذا يخرج بالمسألة عن الصدق، والصدق أساس الأدب عند الكاتب. . .
أظن هذه أمثلة وإن كانت سريعة موجزة خطوطها إلا أنها كافية لتثبت أن الكاتب يقف عند حدّ التقرير فيما يكتب. لكن سلامة النظر وسعة الاطلاع وهدوء الطبع تجعل التقريرات التي يقررها الكاتب تتسم بميسم الصدق والواقع في العموم. وهذا لا يمنع أن يتسرب في بعض الأحيان بعض الخطأ إلى تقريرات الكاتب، غير أنها قليلة في المجموعة، نذكر منها قوله إن العالم خاضع للمنطق، وأن له غرضاً يسير إليه وليس يسير حسبما اتفق، وأنه محكوم بقوانين ثابتة لا تتغير.
أما كون العالم محكوماً بقوانين لا تتغير فهذا صحيح، وكونه خاضعاً للمنطق صحيح؛ أما أن يستخلص من ذلك أن العالم له غرض يسير إليه وليس يسير حسبما اتفق فهذا مما لا