وإذا كان العصر الحاضر يمتاز بثلاث اتجاهات أساسية هي: الديمقراطية، والصناعة والتجارة، والعلم التجريبي، فإن الأستاذ (جون ديوي) عندما يكتب عن (فلسفة التربية)(في دائرة معارف التعليم للأستاذ منرو) لا يكاد يخرج عن هذه الاتجاهات الثلاثة. فنراه من حيث الاتجاه الأول (الديمقراطية) ينادي بتعليم الجميع وبتساويهم في فرصة إظهار كفايتهم الخاصة حتى يمسك فخ التعليم بالذكاء والنبوغ على نحو تعبير (ويلز) القصصي الفيلسوف، كما نراه ينادي باحترام الفرد ولكن على أن يؤدي واجبه في المجتمع وهو راضي مطمئن.
وهو من حيث الاتجاه الثاني (الصناعة والتجارة) يدعو إلى ضرورة إشراك العمل مع النظر في التربية، والى بث روح التعاون بين الطبقات، والى العناية بعلوم الطبيعة وعدم الإفراط في التخصص الذي يجعل من الآلة إلهاً جباراً. هذا إلى جانب غرس الذوق السليم، ومحاربة التبذل والإسفاف والترف المقيت وإضاعة الفراغ في غير متعة بريئة، والى جانب التحذير الدائم من عواقب التعسفات الرأسمالية.
أما من حيث الاتجاه الثالث (اتجاه العلم التجريبي) فنراه يلح في نبذ تلك (السلبية) البغيضة التي قد أوقفنا وما زلنا نوقف فيها الطفل إزاء عملية المعرفة، ويدعو بقوة إلى جعل التعليم عملية (كشف) يدرب فيها الطفل حواسه وقواه العقلية ويمضي فيها كما سيمضي غداً في الحياة، فيفترض الفروض أمام المشكلات ويجرب ويحقق آناً بنفسه وآناً بإرشاد الأستاذ، ذلك إلى حصر الدراسة في المواد التي يحتاج إليها العصر الراهن من ناحية، والكمال الإنساني من ناحية أخرى.