أن اتجهت أمريكا على الخصوص اتجاهاً (عملياً) في فهم الكون وتقدير القيم المختلفة للموجودات - فقد أصبحت (الفلسفة) تسير في التربية على الضوء الذي يبعثه العلم ولا تكاد تميل عنه إلا قليلاً، وبالأحرى هي كذلك لدى (جون ديوي) ومدرسته. فهي كما يقولون لا تستطيع أن تفهم الوجود بأكثر مما يسمح به الواقع المحدود!! وهي (في التربية) تأخذ ذلك (الواقع المحدود) من علوم الحياة، ووظائف الأعضاء، والنفس، والاجتماع، وتاريخ الثقافة والسياسة والتربية والفن والدين، ثم تكون منه نظرة كلية فيها شرح وتفسير وتقويم وتشريع!
وإذن ففلسفة التربية في هذا المذهب لا تكاد تعدو أن تكون النظرية العامة التي تجد تطبيقاتها في عملية التربية بجميع نواحيها ذلك أنها تعالج التربية كوظيفة ضرورية غير منفصلة عن الحياة بحكم طبيعة الحياة نفسها، وتنقد وتشرح الطرق والمواد المستعملة في هذه العملية على أساس تلك الوظيفة الآنفة، وتمدنا بالأصول التي تجعل التربية فعالة، وتوضح المبادئ التي تنفث الحياة في مصالح الجماعة والتي تبرر النظام القائم أو لا تبرره، كما تعطي الجماعة ذاتها شعوراً شاملاً قوياً بمعنى الأساليب المختلفة التي تباشرها في تدريب أعضائها، وبأساس هذه الأساليب وقيمتها
ولئن قال قائل أن التفكير غالباً ما يولي هارباً تحت ضغط الحوادث تاركاً العمل للعاطفة، أو الانفعال، أو الضرورة الغالبة بحيث إنا لا نستطيع دائماً (التفلسف) في أساليب حياتنا: فالجواب هو أن التفكير لا يزال بالرغم من ذلك الأداة الوحيدة التي تخرجنا من الأزمات بما يقدمه من حلول ممكنة، ووسائل محتملة، ثم هو وإن كان لا يخلق قيماً جديدة فهو على كل حال يميز بين القيم المختلفة، ويقدم لنا تلك التي توصلنا أكثر من غيرها إلى غايتنا.
وإذن فالتربية القائمة على غير فلسفة تسندها تكون كالساري بالليل من غير دليل، والتربية القائمة على فلسفة خاطئة مصيرها الفشل المحتوم. . .
والأمر في الفرد والمجتمع على السواء. فلكل فرد فلسفته الخاصة في الحياة. ولكل جيل أو مجتمع نظريته العامة التي يطبقها في سلوكه؛ وعلى قدر دقة هذه النظرية وصحتها يكون النجاح أو الفشل، والسعادة أو الشقاء.