ومن قبل هذه البعوث أرسلت ثم عادت بعثة المرحوم الشيخ (محمد عبده) التي أرسلها الشاذلي باشا سنة ١٩٣١ إلى ألمانيا فدرست وفازت بما قصدت إليه من الألقاب والدرجات. وعاد هؤلاء وهؤلاء أساتذة في الأزهر يشرفون على توجيه الفرق النهائية في كلياته وتخصصاته، حتى قام بعضهم يتساءل عن شخصية الأزهر العلمية، ويريد أن يضع في الميزان إنتاج كبار العلماء وأن يحكم على القيمة العلمية لما ألف جماعة كبار العلماء
الأزهر محتاج إلى لقاح علميّ جديد وإلى ثورة فكرية جديدة وإلى أسلوب من البحث العلمي قائم على الإخلاص للعلم وحده، وعلى الشجاعة في سبيل العلم وحده، وعلى حب الخير للعلم وحده وللأزهر وحده. ولا يزال في الأزهر روح قوي راسخ من الرجعية والردة والعود لعهود الظلم والظلام. وما من أحد يستطيع أن يرفع الشعلة ولا أن يديم اطراد السير لهذه الخطوات البطيئة من خطى التجديد والإصلاح، سوى أعضاء هذه البعوث التي أرسلها الأزهر من خلاصة رجاله، ولهذا وحده أرسلهم وانتظرهم حين غابوا ورجاهم حين عادوا
وأعضاء هذه البعوث العلمية التي فهمت الروح العلمي في جامعات أوربا واستقام تفكيرها على طرائق البحث العلمي فيها، هم الذين يعرفون ويقدرون ما هي الشخصية العلمية، وما هو الاستقلال في التفكير، وما هو النقد الإيجابي، وما هي حرية البحث؟ وهم الذين يعرفون ويقدرون مما شهدوا في جامعات أوربا وفي حياة أهلها ما هي قداسة الفكر
فهم بما عرفوا وما قدروا وما أحسوا هم النواة الطيبة والبذرة المباركة النامية لبعث هذه الطرائق وهذا الروح العلمي في الأزهر. وهم الذين تنبعث من أفكارهم ومن نشاطهم ومن إخلاصهم لهذه الطرائق العلمية الجذوة الأولى لهذا الثورة الفكرية التي يحتاجها الأزهر، والتي بها وحدها يأمن الأزهر وتأمن الحياة الدينية في مصر ما تخشاه من طغيان الرجعة وردة عهود الظلم والظلام.
ذلك ما فهمناه وارتقبناه حين اختيرت البعوث العلمية من رجال الأزهر، ثم عادت لتقود فيه الطليعة من الرواد في حياته الإصلاحية الجديدة
فهل يرى الأزهريون أن هذه البعوث تكوّن فيه الآن (البيئة العلمية) الجديدة؟. . . وهل يرى الأزهريون أن لهذه البعوث طابعاً علمياً خاصاً تتميز به عن أشياخها الذين ذهبت هذه