يرهب جسامة ما أقدم علي، ولم يك بالشاذ في بلده بدليل أن سواد الشعب جاراه وانتصر للحق إلى النهاية. وهذا العمل الخطير لا يمكن أن تأتيه جماعة إلا إذا كانت الروح الاستقلالية قوية فيها، وكان الشعور بكرامة الإنسان غالباً في أفرادها والاعتداد بالنفس صفة غالبة في بنيها. كان الفيلسوف (هوبز) ينادي بحق الملك المقدس في الحكم طبقاً لمشيئته لا استنادا إلى إرادة الأمة. وكان مربياً للملك المشار إليه، ولكن النفسية الإنجليزية لم تهضم هذه التعاليم؛ وكان يعجبها ما قرره الفيلسوف (لوك)؛ وهو أن الأمة مصدر السلطات، وأن الملك يستمد سلطته منها، وليس صاحب حق مقدس يحكمها طبقاً لهذا الحق المقدس فلا يتقيد بإرادتها. فلما تعارضت الفكرتان عملا كانت الغلبة لما يدين به سواد الإنجليز، لأن تربيتهم الاستقلالية أبت عليهم الخضوع لما لا يتفق مع الكرامة الإنسانية، فثاروا دفاعاً عنها وانتصروا لأنهم عملوا عن إيمان راسخ
التربية الاستقلالية مصدر الشجاعة الأدبية والإقدام والشجاعة توحي للمرء بأن يقول (لا) كلما وجب أن يقولها، و (نعم) كلما وجب أن يقولها، سواء أكان مخاطباً نفسه أم غيره. والإقدام يدفع المرء إلى العمل بما يعتقد مهما كانت النتيجة وقد دلت التجارب على أن العامل عن عقيدة قلما يخفق لأن الإيمان الراسخ في ذاته قوة يعز التغلب عليها
لو لم تكن روح الاستقلال متغلغلة في نفوس الإنجليز لرسخت فيها تعاليم (هوبز) دون تعاليم (لوك)، ولمر نقض العهد وهو الدستور كأنه حادث عادي، ولاعتاد الحكام التصرف طبقاً لمشيئتهم، ولكانت الجماعة عرضة من حين لآخر، للاحتكاك بين أنصار الطغيان وأعوان الحرية، ولبطؤ سيرها إلى الأمام
لكن النفوس كانت مشبعة بالحرية والاستقلال فدافعت عما وضعته من شروط لتولي حكمها. وأظهرت وجودها المستقل بعملها التاريخي. وعرف الحكام منها ذلك فلم يحاولوا نقض العهد وعاشت وعاشوا في هدوء. فاستطاعت الأمة التمتع ببركة الهدوء في ظل الحرية، وانصرفت بكل قواها إلى ترقية شؤونها ورفع مستوى الفرد فبلغت قمة المجد، وكانت عزيزة الجانب بوجه عام حتى اليوم. تلك حادثة من أبلغ حوادث التاريخ الإنجليزي في الدلالة على أن قوة الأمة في تغلغل روح الاستقلال بين الأفراد وفيما ينشأ عن التربية الاستقلالية من شجاعة وإقدام