إذا عرف الفنان إن الجمال الذي يحسه هو نتاج عقله، لا يستطيع بعدها أن يقدره حق قدره، وانه إذا تمسك بنظرية (جروس) خرج عن كونه فناناً واصبح ذا صفة أخرى ; لا شئ يقتل الفن مثل الجري وراء إيجاد جمال من نفس طبيعة الجمال الذي نراه في الطبيعة. نشاهد في جمال الطبيعة في الإتقان، وأنها كذلك غاية في الإتقان ; لأنه لا يوجد في الحقيقة ثمة صنعة، الأشياء الطبيعية لم تصنع وإنما ولدت، اعمل الفنالتي صنعت والأشياء التي ولدت، ثم بين جمال هذه وجمال تلك.
لابد وان يظهر في كل من الأعمال الفنية جهد الصنعة ونقصها وخشونتها، وان هذا الجهد والنقص والخشونة إنما هو في الحقيقة روح جمال الأعمال الفنية وانه هو الذي يميزها من جمال الطبيعة، وحالما يمتنع الناس عن فهم ذلك ويستخفون هذا الجهد والنقص والخشونة، تراهم على الغالب لا يظفرون حين يطلبون من الفن الجمال الطبيعي بغير جمال ميت.
يمكننا أن نفهم احسن فهم الفرق بين نوعى الجمال إذا نحن تدبرنا كيف ينسل الجمال في اللغة، هذا الفن الذي نمارسه جميعنا قليلاً أو كثيرا، والذي يصعب فيه الم يكن مستحيلاً تقليد غاية الجمال الطبيعي؛ لا يوجد جمال في جملة:(سينال المعتدين جزائهم) لأنها تؤدي المعنى المراد تماما بلا زيادة ولا نقصان، ويوجد جمال في مثل جملة (ليال سرقناها من الدهر. . .) لان فيها، وان كانت تظهر أيضاً غاية في البساطة، يحاول الشعر إن يقول اكثر بألف مرة مما يستطيع أن يقوله، إن السعي في عمل ما هو خارج عن طاقة الكلمات هو الذي يحمل الجمال إلى الكلمات؛ تلك هي طبيعة الجمال الفني التي بها يتميز من الجمال الطبيعي، الأعمال الفنية هي دائماً وليدة السعي لتمام المستحيل، لإتمام ما يعرفه الفنان انه مستحيل، وانه حينما لا يوجد هذا السعي، حينما يكلف الفنان نفسه عملاً في وسعه اتمامه، عملاً لا يدل على غير المهارة، حينئذ يخرج عن كونه فناناً. يقول (جروس) إن شعورنا بالجمال يتوقف علىقوة إحساسنا بعظمة الأشياء، هذا صحيح؛ غير إن قوة إحساسنا هذه تبقى قوة إحساس غير قادرة على صنع ما تحسه! إن الفن ليس مجرد اتساع طريق الشعور كما يزعم (جروس)، وإنما هو تجربة عمليه لإظهار مقدار شعور رجل الفن. فن الفنان جواب لجمال الطبيعة وعبادة له.
الفن إيضاح حالات خاصة، حالات إعجاب وتقدير، هو التسليم ببعض أشياء اعظم من