للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الرجال جميعاً، وتخطت جدران المنازل فاعتنقها النساء، وجازت أبواب المدارس فاستقرت في نفوس الأطفال، ودخلت قصور الحكومة فأحست بها، ووقفة منها موقف الصديق المرحب، آملة أن ترفع لها راية حمراء، تقود الشعب تحتها لانتزاع حرياتها من فم الأسد، من النمسا! وجد الدكتور ذلك فهاله وعمل على محاربته، فسقط في الميدان صريع خيانته.

- لا تقل خيانة. إن إلقاء محاضرة علمية عن قيمة الإمبراطورية الرومانية لا يعد خيانة. وحسب الدكتور أنه أرضى ضميره العلمي. وأظهر تاريخنا للناس مجردا من ثوب الغرور الوطني.

- انه خالف الحقيقة. فروما سيدة العالم لا يمكن أن تكون من عنصر العالم. هي من أسمى. هي أم الشعب المختار.

- لو كانت كذلك، لما انقرضت، الصلح يبقى أبدأ. . .

وعلت الأصوات. حتى صارت المناقشة ضجة جوفاء. . فأسكتها صولين. . وقال بهدوء.

- وماذا يعنيكما من الحقيقة حتى تتقاتلا من اجلها. مهما تكن حقيقة الإمبراطورية الرومانية (فالغرور الوطني) خير منها. ما دام هو السبيل إلى حياتنا واستقلالنا.

فصاح به دافي:

- هذه أراء خطرة؟ قل لي من ذا الذي لا تعنيه الحقيقة؟

- الجائع المشرف على الموت ان الحقيقة الواحدة هي في النظرة الرغيف، ورغيف يابس ابلغ لديه من كل حوت مكتبة روما.

- قد يكون ذلك، ولكن الحقيقة تبقى لها قيمتها.

- عند من تبقى لها هذه القيمة؟ انك لم تفهم ما قلت؟ إن الحقيقة يهتم بها ويفكر فيها من يشبع من الطعام. كما يفكر في الحلوى ويتشهى الفاكهة. أما الجائع المشرف على الموت فينكرها. لا يحس بوجودها. يصبح عقله في معدته. أفهمت؟

ولاحت على شفتي ابتسأمة تهكم خفية، إغتاظ منها دافي فقال بحنق:

- وماذا تعني؟

ثم بدا له إن هذا الحنق انهزام منه فتكلف الوقار وقال:

- وضح كلامك من فضلك.

<<  <  ج:
ص:  >  >>