للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

- (وهذا هو موضع أساي وسبب بلواي. . . اسمع يا حمادة، لك مطلق الحرية في أن تُسرِّحني من الغد وأن تكون حراً بعد ذلك، وسأرد لك صداقك، بل سأرده مضاعفاً إن شئت. فإن أردت أن تستبقيني لديك فسأعيش معك عذراء إلى الأبد، ولن أنغص عليك بخلقي الشائه متاع قلبك ونعيم نفسك ولذة شبابك ونضرة صباك. فهذه أشياء لك أن تنعم بها، ومن الظلم أن أفرض عليك هذا القبح الذي رزأتني به المقادير، فأقف به بينك وبين لذات الحياة وهناءتها. . . أرسلني أشكر لك، أو استبقني أحمدك. فإن كانت الأولى تكن قد خلصت من خطأ أوقعك فيه غيرك، ولم تتكلف في سبيل الخلاص منه قليلاً ولا كثيراً؛ وإن تكن الثانية، فثق أنني سأعيش في كنفك كما تعيش الراهبة في دير ساكن هادئ على هامش صحراء، يقنعها أن قد انقطعت عن بهارج الحياة وزخارفه وآمنت ببطلان لذاتها. . . آه! يا إلهي! لم لا نتخذ نحن المسلمين مثل هذه الديور؟. . .

- (كفى يا نظيرة كفى! بل تعيشين معي على أحسن ما تعيش فتاة تفرح برجلها!. . .

وعاشت نظيرة في كنفه، عذراء كما عاهدته، وكان هو يحنو عليها ويعطف كل العطف، وكان يسامرها ويلاطفها ويهش لها ويبش، حتى كلفه أبوه بمراقبة الفلاحات إذ ينقين الأرز من الحشائش الغريبة وسائر الطفيليات، فرأى فاطمة. . . فاطمة الشابة الجميلة التي تتأرج كالزهر بشذاها وعَرْفها، وتتبرج كالدنيا بمفاتنها وظرفها. . . لقد بسمت له عن فم رقيق، وغمزت قلبه بعين خبيثة ماكرة ففجرت فيه أحاسيسه المكبوتة، وأطلقت عواطفه الحبيسة، وأحيت في صميمه مطالب الشباب فثارت كالبركان، وصعد الدم الحار يغلي في رأسه، وتدفقت في أعصابه قوى هائلة من الطبيعة البشرية بغَّضت إليه هذا الزهد المصطنع الذي فرضته عليه نظيرة، وقبحت إليه تلك الرهبانية التي عرفها وهو في ميعة الصبى وشرخ الشباب منذ الليلة الأولى التي رأى فيها زوجته الشائهة المسكينة.

وكان يرسل من يشتري له بلحاً أحمر يأكله بعد الغداء، وكان يوزع على الفلاحات بيده من ذلك البلح إذا فرغن من غدائهن؛ وكان نصيب فاطمة من هذا البلح الأحمر كبيراً منتقى، أثار في قلوب أترابها غيرة شديدة وجعلهن يهمسن بكلام كثير.

ومرت الأيام. . . وتأكد الحب بين حمادة وفاطمة، وإنه لينتظرها الليلة في هذا المنعزل الفريد عند ضفة النيل مما يلي الماء، قريباً من تلك الجميزة الكبيرة الوارفة، وإنها لتتأخر

<<  <  ج:
ص:  >  >>