القرافة) فتمَّ حفره في شهر واحد، وفي ذلك يقول ابن أبي زمزمة الشاعر:
وما الجِدَّ إلاَّ مثل جدِّ ابنِ جَحْدمٍ ... وما العزْم إلاّ عزمُه يوم خندقِ
ثلاثون ألفاً قد أثارُوا ترابه ... وخدّوه في شهرٍ حديث مصدَّق
وبعث ابن جحدم الجيوش والمراكب لحرب مروان وابنه عبد العزيز، فانهزمت جيوش والي ابن الزبير، ولم ينفعه خندقه، ودخل مروان عينَ شمس ثم الفسطاط في أول جمادى الأولى سنة ٦٥هـ. وبنى الدار البيضاء لتكون مقرَّاً له، وبايعه الناس إلاَّ نفراً ظلوا على تمسكهم ببيعة ابن الزبير، فضرب أعناقهم وكانوا ثمانين رجلا من المعافر. وقتل أيضاً سيد لخم (الأكدر ابن حمام بن عامر بن مصعب) فأتى زهاء ثلاثين ألفا من لخم، وهم مدججون بالسلاح، ووقفوا بباب مروان ثائرين فتوسط بعضهم في الصلح وانصرف الثائرون. واتفق أن توفي عبد الله بن عمرو ابن العاص في اليوم الذي قتل فيه الأكدر (١٥ جمادى الآخرة سنة ٦٥هـ). فلم يستطيع القوم أن يخرجوا بجنازته لتألب الجند على مروان، فدفن في داره
لقد كان للجند العرب في مصر أثر ظاهر في الفتن التي انتهت بقتل عثمان وعلى أيديهم وحدهم تمَّ ذلك. ولما انتشر أمر ابن الزبير في الحجاز والعراق وامتدَّت دعوته إلى مصر حيث لاقت قبولا من نفوس العلويين أُخِذَت له البيعة على يد واليه عبد الرحمن بن جحدم الفهري، ولما بويع مروان بن الحكم سنة ٦٤ هـ كاتبه أنصار الأمويين فسار إلى مصر وانتصر على أتباع ابن الزبير ثم دخل الفسطاط سنة ٦٥هـ، وبايعه الناس إلا نفراً قليلا أمر بضرب أعناقهم
كذلك كان للجند العرب في مصر نصيب في النزاع الذي قام بين العباسيين والأمويين، ذلك النزاع الذي انتهى بقيام الدولة العباسية. فلما أتى مروان بن محمد مصر فارا من وجه العباسيين لم يستطع أن يصد صالح بن علي الذي تعقبه إلى مصر، ولم يقو على مقاومته العباسيون، لما كان من تألب الجند عليه في هذه البلاد، فقد خرج القبط بسمهود، وخالفه عمرو بن سُهَيل ابن عبد العزيز بن مروان، وتابعه قوم من قيس، ونزلوا في الحوف الشرقي، وأظهروا العصيان. ولما علم جند مصر بمسير مروان إليهم أجمعوا على منعه، فلما قدم (٢٢ شوال سنة ١٣٢هـ) ليس أهل الحوف الشرقي السواد لباس العباسيين، وحذا