للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يلتقي فيها أناس ترجع أصولهم إلى جميع القارات ما عدا القارة الأمريكية، فمنهم من هو في أصله تركي أو كردي أو من فارس وأعلى العراق، ومنهم من هو عربي أو مغربي أو حبشي، ومنهم من هو مجري أو بشناقي أم من أهل البلقان، وبعضهم لا يذكرون هذه الأصول وإن دلت عليها حروف وإضافات في الألقاب

على أنني لم أكن أحفل بالدلالات الجغرافية والتاريخية كما كنت أحفل بالدلالات النفسية والاجتماعية، ففي هذه دليل أمتع من كل دليل على قرابة الإنسان وتشابه العقائد والخوالج بين البشر وإن باعدت بينهم البحار والصحاري وآماد الدهور

كنت أعجب لأناس يدعون بأسماء الكلاب والحشرات، وأحسب أنها ألقاب تحقير أطلقها عليهم الأعداء أو المتهكمون الماجنون ثم غلبت عليهم فعرفوا بها بدلاً من أسمائهم، ولكني علمت أن أسماء الكلاب والحشرات هي أسماؤهم التي دعاهم بها آباؤهم وأمهاتهم، وأن الآباء والأمهات قصدوا إلى ذلك قصداً ليعيش لهم أولئك الأبناء، كأنما يحقرونهم ويشبهونهم بالحيوان الأعجم والحشرة المهينة ليزهد فيهم الموت ويأنف من أخذهم إليه!

والعجيب أن هذه العقيدة كانت سارية في يونان القديمة ومصر القديمة والشرق القديم، ولا تزال سارية حتى اليوم في بعض القبائل الأفريقية التي تؤمن بالأرواح الشريرة وتخاف منها على أطفالها وصغارها، وتحصنهم منها بمحصنات شتى إحداها حقارة الأسماء أو بشاعتها. ولا شك أن اسم (معاوية) مثلاً وهي الكلبة التي تعاوي الكلاب يمت بصلة إلى هذه العقيدة، كما يمت إليها اسم هريرة وما إليه

ولحقارة الأسماء وبشاعتها سبب آخر غير تزهيد الأرواح الشريرة فيها، وذاك هو التخويف بها أو احترام (الطواطم) المعبودة حيث كان الأقدمون يتبركون بها ويعتقدون أن أسلافهم من سلالتها

ففي القبائل المقاتلة التي تعيش على الغارة ولا تزال في خوف من الإغارة عليها يسمى الرجل بما يكره الأعداء، وترى بينهم من يدعونه ذئباً أو أسداً أو حنظلة أو جمرة أو حرباً وما إلى ذلك من المخوفات والمنفرات

وفي القبائل التي تؤمن أو كانت تؤمن (بالطواطم) يسمى الرجل كلباً أو ثعلباً أو صقراً أو نسراً كما يتفق من أصول الطواطم القديمة الباقية بعناوينها وإن نسيها أبناء القبيلة

<<  <  ج:
ص:  >  >>