ويقول السائحون بين القبائل التي على الفطرة إنهم يكرهون البوح بأسمائهم ويستريبون بمن يسألهم عنها، لاعتقادهم أن الاسم جزء من الإنسان من عرفه استطاع أن يسلط على صاحبه أرواح الشر والمرض واتخذه هدفاً يقذف عليه المتاعب والملمات. ونحن المتحضرين المحدثين نحسب أننا بعيدون مترفعون عن هذه الطبقة المسفة من طبقات العقول الآدمية، حتى نسمع (سحاراً) يسأل عن اسم المقصود بالسحر واسم أمه فنعلم أن المسافة بيننا وبين الفطريين أقرب مما نتوهم، ولاسيما في سراديب الظلام التي يهبط إليها من يهبطون ساعة الفزع أو ساعة الضغينة
ولا ريب أن حياة الأمة بين ماضيها وحاضرها تتمثل كثيراً في أسماء أبنائها؛ فنعلم أن الأقوام التي تنحصر أسماؤها في الظواهر الطبيعية سماوية كانت أو أرضية إنما هي أقوام فطرية لم تدرك من العلامات غير هذه الظواهر لتمييز الرجال والنساء، وأن الأقوام التي تظهر فيها أسماء الصناعات كالنجار والحداد والقصاب والزيات والعطار والعقاد قد تقدمت أشواطاً في الحضارة، وأن الأقوام التي تظهر فيها العناوين الاجتماعية قد عرفت بذخ الملك وألقاب التشريف ومراتب الطبقات، وأن الأقوام التي يذكر فيها الحرب والبطش والعداء قد درجت على الغزو ورعاية الماشية، والتي يذكر فيها الهدى والرشد والصلاح وأوصاف الفضائل قد أخذت بقسط من الدين وفلسفة الإخاء، وقس على ذلك ما تنم عليها معاني الأسماء وتراكيبها
بل ربما استطلعنا تاريخ الأمة السياسي من بعض الأسماء. فاسم (تفيدة) في مصر يدل على أن المصريين كانوا زمناً من الأزمان يتشبهون بالترك تشبه المحكومين بالحاكمين، إذ الاسم في أصله عربي صحفه الترك من (توحيدة) لأنهم ينطقون الواو فاء ولا ينطقون الحاء، فأصبح تفيدة ونقلناه نحن عنهم نقل المحاكاة
بل ربما عرفت الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها الرجل من دلالة اسمه واسم أبيه، فالأغنياء مثلاً قلما يسمون أبناءهم بعبد الغني أو عبد الرزاق، والمثقفون قلما يسمون أبناءهم بالأسماء المنسوبة إلى أماكن وبلاد إلا لمناسبة مفهومة، فالرجل المثقف لا يسمي ابنه (حجازي) أو (حبشي) وهو لم يولد في الحجاز أو الحبشة أو في موسم حج وعلاقة حبشية، ولا يسمي ابنه (مرسي) وهو لم يولد في مرسية ولا في مكان إلى جوار المرسي