١١ - والمستندات والوثائق وأقوال الرجال الذين اشتركوا في هذه المفاوضات كلها تدل على أن الجانب المصري، أخذ الناحية المظهرية لأسباب عدة يرجع معظمها إلى المتاعب الداخلية التي تلقاها الحكومة من المعارضة. وقد سمعنا هذا من رجال إيطاليين تولوا مناصب هامة، واشتركوا في هذه المفاوضات من المبدأ؛ فقد صرحوا بأن اللجنة المصرية الإيطالية نفذت بالضبط ما كان قد اتفق عليه بين إيطاليا وبريطانيا، وكان موقف الجانب المصري، مظهرياً أكثر منه جدياً: ومنهم السنيور كوخ، وزير إيطاليا المفوض والذي كان يشغل وظيفة مستشار بسفارة أنقرة، وكان من ضمن من اشتركوا في هذه المباحثات.
١٢ - وعلى كل حال فان موقف دولته إزاء إيطاليا كان مشرباً بروح المودة بدليل زيارته لموسوليني، وهي زيارة لم تكن قاصرة على مسألة السلوم وجغبوب، وإنما كانت لتقدم الشكر على تمهل الدكتاتور سنوات في عدم احتلال واحة جغبوب، حتى يتم الاتفاق مع الحكومة المصرية عليه: وقد حاء هذا بالنص في كتاب (تقويم القوات الإيطالية المسلحة) طبعة ١٩٢٧ (صفحة ١٠١١): إن الحكومة الإيطالية لم تشأ أن تحتل الواحة عسكرياً قبل أن تحصل على اعتراف الحكومة المصرية لها بهذا الحق). هذا طبعاً حفظاً لتقاليد الوداد التي لا تريد أن تمسها: ولا نستبعد أن يكون الثمن الذي طلبه الدكتاتور بصبره الطويل، هو إتمام هذه الزيارة، وكان يهمه موافقة بريطانيا عليها.
١٣ - ذلك لأنه كان في وسعها احتلال جغبوب بعد اتفاق (ملنر شالوبا) مباشرة، ولكنه انتظر حتى تم امضاء الاتفاق المصري، فاحتلت جغبوب يوم ٧ فبراير سنة ١٩٢٦ بقوتين مسلحتين قامتا في وقت واحد، إحداهما من طبرق، والأخرى من البردية، وتلاقتا في الواحة، لإسدال الستار على مأساة بدأت في عام ١٩٠٢ حينما دخلت إيطاليا في مفاوضات مع دول الاتفاق الثنائي فرنسا وروسيا. والذي أصبح ثلاثيا بانضمام بريطانيا إليه نهائياً، ولا تخلو فترة ولا مرحلة فيه من دون تفاهم واتفاق على احتلال أماكن استراتيجية، أو الاعتداء على حق من حقوق الأمم المظلومة: ثمناً لخروج إيطاليا من تحالف، ودخولها في تحالف مضاد للدول