الإقدام والتضحية، ويزودهم بنصائحه ويميل عليهم توجيهاته وإرشاداته ولا يدع سبيلا إلى حفرهم وتشجيعهم إلا سلكها؛ فهذا هو صلى الله عليه وسلم يرفع سيفه بيمينه ويعرضه على جنوده قائلاً: من يأخذ هذا السيف بحقه؟ ويتهافت المؤمنون عليه، كل يبغي هذا الشرف الرفيع، حتى ينبري له أبو دجانة متحمساً مندفعاً فيقول عمر: هذا أبو دجانة الشجاع يقول إليه، فيقول أبو دجانة: نعم أنا أقوم إليه، ما حقه يا رسول الله؟. ويجيبه النبي العظيم: أن تضرب به حتى ينحني. فتزداد حماسة البطل ويردد أنا آخذه يا رسول الله بحقه. ويسر النبي لهذه الحماسة ولا يملك إلا أن ينوله السيف. وبتناول الفارس الشجاع السيف في فرح وثورة ويهزه في يده مردداً:
أنا الذي عاهدني خليلي ... ونحن بالسفح لدى النخيل
إلا أقوام الدهر الكبول ... أضرب بسيف الله والرسول
ويخرج من جيبه عصابة حمراء يعصب بها رأسه ويختال بين الصفوف كأنما هو ترقص، ويعجب المسلمون نشوة الفارس وفرحته بسيف الرسول.
وتبدأ المعركة بمبارزات فردية يكون صراعها جميعاً من قريش الباعية، ثم ما يلبث الجيشان أن يلتحما، وما تلبث قوات المسلمين أن تتقدم منتصرة مثخنة في جيوش العدو وأبودجاية في فرسان المؤمنين يتغنى بشعره، ويضرب الرسول يمنة ويسرة ما تنوله ضربة، ولا تخيب له طعنة، صرعاه يتجندلون ويخرجون عن يمين وشمال. . وتتراجع قوات قريش مروعة منهزمة متخاذلة وترى نساء المشركين وتراجع رجالهن وهزيمتهم فيصحن فيهم محمسات حافرات تتزعمهن هند بنت عتبة الموتورة في أبيها أحد قتلى بدر:
نحن بنات طارق نمشي على النمارق
أن تقبلوا نعانق أو تدبروا نفارق
فراق غير وامق
وأبو دجانة يصول ويجول في الصفوف يصرع المشركين ويروي بدمهم الأرض، وتعترضه هند هاتفه محرصة المشركين ويهاً بني عبد ويهاً حماة الأديار ضرباً بكل بتار
ولا يكاد يميزها أن كانت رجلا أو امرأة فيهم بقتلها، فتصيح مذعورة: ويلاه. وما إن يتميزها أبودجابة حتى ينحبها عن سبيله قائلا: أهي أن أنثى اذهبي قبحك الله. ويقول له