الزبير: بل اقتلها يا أبا دجانة فيرد أبو دجانة الفارس الباسل أو ترد رجولته الكريمة: إني أكرم سيف رسول الله أن أضرب به امرأة.
وتسير المعركة قوية ملتهبة نحو غايتها، ونكاد تنجلي عن نصر للمؤمنين مبين، وفوز لهم محقق، ولا يكاد يشك ذو عقل أو بصر في أن الهزيمة الساحقة الماحقة ستحل على جيوش الملحدين؛ وتؤيد جميع الشواهد والقرائن هذا المصر وتقرره، ويتضخم هذا الشعور بالنصر في قلوب المسلمين ويؤمنون به ويتأذى المشركين وتمتلئ قلوبهم بالحسرات واللوعات بعد أن رأوا معركتهم التي تأهبوا لها واتخذوا لها العدة ووطدوا عزائمهم على أن يجعلونها انتقاما ومحور للعار الذي لحقهم في بدر، تدور عليهم وتنقلب ضدهم.
ولكن. ولكن - ولعن الله لكن هذه - هاهي فصيلة الرماة المسلمين التي ناط بها قائد المسلمين وزعيهم الرسول حماية المؤخرة يرى أفرادها انتصار إخوانهم وتقهقر المشركين أمامهم تاركين متاعهم غنائم وأسلابا. وهاهي الغنائم والأسلاب تلمع في أعين هؤلاء الرماة فتسيل لعابهم وتجعلهم يفكرون فيها وفي موقفهم هذا الثابت، وفي تلك الأوامر الحاسمة الصارمة الموجهة إليهم بضرورة ثباتهم مها رأوا من انتصار جيشهم وتقهقر عدوهم. ولكن أية نفوس تلك التي ترى هذه الغنائم والأسلاب الكثيرة الوفيرة وترى أكثر من هذا وذاك إغراء الشيطان، وثراء الحياة يساق هينا لينا ليس بينهم وبينه إلا أن يتحركوا وينقضوا لتحفظ لهم حقوقهم وأنصبتهم من أن يغتالها رفاقهم المنتصرون أو أن يبخسوا بعضها. وما هي إلا أن تضعف نفوسهم وينتصر الشيطان وتبرق الدنيا في عيني أحدهم فيصيح من أعماقه: الغنيمة. . وتهز صيحته بقية الرماة. . وإذا هؤلاء الرماة حماة المؤخرة، يخالفون عن أمر قيادتهم، لا رغبة في العصيان والمخالفة، وإنما خاطئا بأن النصر قد صار في جانبهم ويندفعون جاعلين همهم جمع الغنائم والأسلاب من متروكات جيش المشركين المنهزم.
وفي المشركين يقظة وحسرة، وفي قلوبهم نار تأجج حقدا وحفاظا لأهليهم وعشيرتهم الذين ذهبوا في بدر، وإذا هذه اليقظة وذلك الحقد يبصر بالثغرة الجديدة التي انفتحت في مؤخرة المسلمين المنتصرين، وإذا فلولهم تتجمع وتحتشد وتتجه نحو الثغرة!
ويريد الله أن يمتحن المسلمين ويبلوهم، وأن يجزيهم جزاء مخالفتهم، ويريد عاقبة عصيانهم