لأوامر قائدهم ورسولهم، ويبصرهم بخطئهم وطمعهم في عرض الدنيا الذي رجوه، وهم المؤمنون الذين خرجوا من ديارهم وأهليهم قد بايعوا الله ورسوله أن ينصروا دينه وباعوه أرواحهم بأن لهم الجنة وليس أسلاب الحرب وغنائمها. . يريد الله ذلك، ويشاء الله إلا أن تكون إرادته تلك رائعة قاسية بعيدة الأثر في نفوس المسلمين جميعا، ويتمثل كل ذلك في أن يمكن لفلول قريش المتجمعة من أن تنفذ في جيوش المسلمين من الثغرة التي كشقها الرماة في المؤخرة، وأن تنال قريش الباغية المشركة منهم ونثخن فيهم.
ويرى النبي صلى الله عليه وسلم هجمة الأعداء المفاجئة من الخلف، فيدرك خطيئة الرماة ويعرف من ابن أتى الشر، وكيف انهارت الخطة الحكيمة التي رضعها وأمر بها. ويرتاع المسلمون ويأخذهم الروع والجزع ويظنون أن جيوشا أخرى جديدة للمشركين قد أخذتهم من خلف فيضعفون ويدب الفزع بينهم، فيفر منهم من يفر، ويتخاذل منهم من يتخاذل، والنبي العظيم يستنفرهم ويثبتهم ويعدهم النصر، وينادي فيهم أن اثبتوا وكافحوا، ولا يدع سبيلا لحفزهم ودفعهم للصمود والجلاء دون أن يسلكها!.
ويكثر عدد القتلى من المسلمين ويسقط فيهم أعلام من فرسانهم الصناديد ويشاء الله إلا أن تبلغ العظمة والعبرة أعظم مبلغ وأروعه حين يبقى الرسول في عشرة من صحبه ينافون معه وهو يرمي بسهمه حتى يصير شظايا. . ويقترب المشركون منه ودونه اثنان سعد بن أبي وقاص ومصعب بن عمير يذوبان عنه وأم عمارة لمسلمة المؤمنة تقبل فترى ذلك فترمي سقاءها وتنتزع سهم أحد القتلى وتنفح به الرسول العظيم. . ويقبل أبودجانة فأي إقبال البطل الذي حارب الرسول وأدى حقه فقاتل به حتى تقوس، وحتى امتلأ جسمه بالجراح والطعنات. . ويرى أبو دجانة النبي الكريم في هذا الموقف العسير ويرى أحد المشركين الأنذال وهو يضرب أم عمارة المرأة المسلمة على عاتقها فيرديها!. . ويهم أبودجانة لينافح عن الرسول، وكيف له ذلك وسيفه قد انحنى وتقوس، وجسمه قد تمزق وتجرح، ولكنه يرى النبي الكريم هدفا لنيل الكافرين الفاجرين، ولكنه يريد أن يسجل أروع أمثال التضحية والفدائية أعظم تسجيل وأدقه، فها هو يندفع نحو النبي العظيم وينكفئ عليه حاميا له بجسده متوسلا إليه بقوله: دعني يا رسول الله أترس دونك بنفسي، لقد ولى الناس عنك وهذا نبل العدو يصل إليك. ويقول له الرسول العظيم مشفقا: إن النبل يقع في ظهرك.