وأسرف الشيخ علي في قرض الشعر، فمدح ورثى، وتغزّل (بالطبع) وهجا، حتى اتسق له من هذا النظم ما جمعه بعد في ديوان كامل، وبهذا أصبح مجاوراً ممتازاً وإن حق علية القول، وتراءى شبح الهول!
إذن أصبح مجاوراً ممتازاً بين المجاورين بالأدب، أو إن شئت قلت، لقد أدركته من الناحية الأزهرية حرفة الأدب
ولقد دعاه هذا إلى الاختلاف إلى مجالس الأدباء، ومساهرتهم ومسامرتهم والتروي عنهم، ثم إلى غشيان دور بعض العلية ممن كانوا يجلسون لأهل العلم والفضل والأدب، فيتحاضرون ويتذاكرون. وأقبل الشيخ على هذا الشأن بقدر ما أدبر عن الكد في دروس الأزهر. ثم جعل يرسل المقالات المنثورة في الصحف والمجلات التي كانت قائمة في ذلك الوقت، وكان يكتب أول الأمر على طراز الكاتبين في عصره: مقدمات طويلة تمهد بين يدي كل موضوع ولو لم تدع إليها حاجة الكلام، واحتفال للمحسنات البديعية تستكره استكراهاً، ولو استهلكت الغرض المطلوب
على أن من حسن حظ الشيخ علي أنه ابتدأ في معالجة الكتابة في الوقت الذي انبعثت فيه تلك النهضة البيانية الفاخرة، تلك النهضة التي نفخ ضرامها بالإرشاد والتنبيه السيد جمال الدين الأفغاني، وبالفعل من الإنشاء والتعليم والتأليف الشيخ حسين المرصفي، وللشيخ علي طبيعة، وفيه فطنة قوية، فجعل يدرّب قلمه ويروضه على إرسال البيان سهلاً جزلاً خالياً من الاعتساف، متطلقاً من تكاليف البديع
وفي هذا المقام يجدر بي أن أنبه إلى شيء جديد جدير بالانتباه: ذلك أن حسن البيان وجودة المقال لا ترجع في جميع الأحوال إلى تمكن الكاتب من ناصية اللغة، وتفقهه في أساليبها، وبصره بمواقع اللفظ منها، واستظهاره لصدر صالح من بلاغات بلغائها، إلى حسن ذوق ورهافة حس، بحيث يتهيأ له أن يصوغ فكرته أنور صياغة، ويصورها أبدع تصوير. بل إن ذلك ليرجع في بعض الأحوال، وهي أحوال نادرة جداً، إلى شدة نفس الكاتب وقوة روحه. فقد لا يكون الرجل وافر المحصول من متن اللغة، ولا هو على حظ كبير من استظهار عيون الكلام، ولا هو بالمعنى بتقصي منازع البلاغات، ومع هذا لقد يرتفع بالبيان إلى ما تتقطع دونه علائق الأقلام. ذلك لأن شدة نفسه، وجبروت فكرته. تأبى إلا أن تسطو