الساعة الواحدة وخمسين دقيقة، ولكن لم يحدث شيء. وأخيرا بدأت الرواية التي اصطبر لمرآها طويلة، وأخذت صورة المجال تحت بصره تتغير وتتبدل كأنما امتدت لها بالسحر يد الساحر، واهتز صاحبنا واضطرب، وجرت في ظهره رعدة بعد أخرى كلما اختلفت صورة المجال تحت عينه. إن العصي الطافية القليلة أخذت فعلا في التكاثر! ففي هذا المكان توجد الآن اثنتان حيث كانت واحدة. وتلك عصية أخرى تطول بطيئة ولكنها تطول كثيرا، وهي في استطالتها تنثني كالأفعى وتنال أطراف المجال. ولم تمض ساعتان حتى كثرت تلك العصي كثرة غطت على قطع الطحال فاختفت وبلغت أعدادها الملايين فأصبحت في اختلاطها وتداخلها وتلبدها ككرة من غزل، انحل فاختلط فلا رجاء في تسليكه إلا أنه غزل حي، غزل صامت قاتل
وتنفس كوخ الصعداء:(الآن أعلم أن هذه العصي حية والآن أعلم أنها تتكاثر بالملايين في فئراني الصغيرة المسكينة، وفي الشياه، وفي الأبقار. فالعصية الواحدة (البشلة الواحدة) أصغر من الثور بلايين المرات، فإذا دخلت الثور نمت وتعددت وصارت ألوفا تنسل ألوفا تنتشر في نواحي الحيوان الكبير فتتحشى بها رئته ويكتظ بها مخه وينسد بها دمه، لا عن ثأر لها عنده، أو كراهة لها فيه
أصبح كوخ لا يعي الزمن، ولا يهتم لواجباته، ولا يصغي لمرضاه إذ ينتظرونه طويلا فيملون فيشكون. فكل هذه الأمور فقدت حقيقتها من نفسه، وأصبح رأس كوخ لا يعي إلا صورا مخيفة من خيوط الجمرة وهي في اختلافها واختلاطها. وأخذ يعيد تلك التجربة التي يخلق فيها من البشلة الواحدة ألوف الألوف من البشلات. فأعادها ثماني مرات في ثمانية أيام متابعات. فبدأ بأن أخذ غمسة يسيرة جدا من (قطرته العالقة) وهي تعج بتلك العصيات فزرعها في قطرات نقية جاء بها من سائل عين ثور سليم. فوجد بكل قطرة من هذه ألوفا من هذه العصيات. ثم أخذ من هذه القطرات الحادثة ليزرع في قطرات جديدة نقية من عين ثور. وهلم جرا حتى أستتم له من ذلك ثماني زرعات قال كوخ: (لقد نسلت هذه البشلات ثماني ذريات متعاقبات، كلها خالصة من مكروب غريب، خالصة من طحال الفأر الذي اختلطت به أولا. وهذه البشلات في هذه الذرية الأخيرة هي أحفاد البشلات الأولى التي قتلت الفأر. فهل يا ترى تقتل هذه البشلات الأخيرة الفأر والشاة كما كانت تفعل أمهاتها