الأولى؟. . . . . . أفتنمو يا ترى هذه البشلات في الفئران وفي الشياه إذا حقنتها فيها؟ أهي يا ترى سبب الجمرة الذي لا مرية فيه؟)
وأخذ كوخ قطيرة يسيرة من (قطرته العالقة) - وكانت تتراءى للعين العادية عكرة بما تعج به من المكروب - ونشرها على فلقة من الخشب صغيرة، ثم غرس هذه الفلقة تحت جلد فأر صحيح ونجا هو فلم يمسسه سوء. نجاه منه تلك العناية الإلهية التي تقوم إلى جانب البحاث الجريئين المتهورين وتحرسهم وتدفع عنهم بمشيئة الله شر ما هم فيه
وفي اليوم التالي كان كوخ قائما على هذا المخلوق الصغير وقد دبسه إلى لوحة تشريحه، وقد انحنى عليه عن قصر في البصر ليراه من قريب. ثم أخذ يحمي مشارطه في النار وقد ملأه الرجاء. ولم تمض دقائق ثلاث حتى كان جالسا إلى مكرسكوبه ينظر منه قطعة صغيرة من طحال الفأر قد وضعها بين رقيقتين من الزجاج ثم تمتم لنفسه:(لقد تحقق المأمول، فها هي الخيوط، هاهي العصيات وتلك البشلات الصغيرة التي في قطراتي العالقة، تلك البشلات التي أوجدتها بالتنسيل سلالات متعاقبة ثمان، لها من القدرة على القتل مقدار ما تلك التي يأخذها الآخذ مباشرة من طحال الشاة النافقة من داء الجمرة)
رأى كوخ هذه البشلات أول ما رأى في دم تلك البقرة التي نفقت من داء الجمرة زمانا مضى، يوم كان مجهره جديدا ويده تضطرب عليه من قلة التجربة والمران، واليوم يرى نفس هذا المكروب دم الفأر المسكين، وهو هو نفسه المكروب الذي رباه في سلسلة طويلة من الفئران، وفي عدد كثير متعاقب من قطراته العالقة
هاهو ذا كوخ يثبت أول مثبت أن النوع الواحد من بعض المكروب يسبب نوعا واحدا من الأمراض، وأن هذه المخلوقات الصغيرة قد تعتدي في حقارتها على مخلوقات كبيرة عظيمة في ضخامتها فتوردها موارد الموت سريعا. سبق كوخ كل الرجال في إثبات هذا، وسبق فيه بستور كذلك، وهو الذي على سننه جرى وبهديه اهتدى. رمي كوخ بخيطه وصنارته ليصطاد تلك الأسماك الضئيلة في المحيط الأعظم وهو واسع بهيم. وتقفاها وتجسس بها وهو لا يعلم من صفاتها شيئا، ولا من عاداتها شيئا، وهو لا يدري من جرأتها وشراستها شيئا وهو لا يعرف متى ولا بأي سهولة تثب عليه من مراصدها ومخابئها؛ والشيء إذا دق هذه الدقة فكل مكان مخبأ وكل طريق مرصد