مسرور، الرجال والنساء والشيخ والأطفال، والهتاف متصل ما ينقطع، والنشيد دائب ما يسكت، والخطب والمحاضرات والزغاريد والأغاني، من المصوتات والرداد والحاكيات والأفواه، والطبول تقرع، والمدافع ترعد، والطيارات تركض في السماء، والسيارات تزحف على الأرض، والصواريخ تنفجر في الجو فتساقط منها الأنوار أمطاراً، والجيش يحمل مشاعله ينشد ويزمر، يشارك الأمة في أفراحها، وما عهدنا (هذا) الجيش يشاركنا في فرح ولا ترح! ما عهدناه إلا عوناً للغاصب علينا، ضاحكاً في مآتمنا عابساً في أفراحنا. . . يدور بالمشاعل في شوارع دمشق، يذكر بالجيش الإسلامي لما حمل القرآن مشعل النور الهادي فأضاء به الأرض وهدى أهلها. وعلى كل جبل من جبال دمشق نيران ضخمة أضرموها، كما أضرمت من قبل نيران (الفتح) على جبال مكة، إيذاناً بتطهير الكعبة وتهديم الأصنام، و (إجلاء) الشرك عن البيت الحرام.
وفي كل دقيقة يفد على دمشق وفد جديد: مواكب وعراضات من كل بلد وقرية وناحية، قد لبسوا أحسن ثيابهم وجاءوا يعرضون أمتع فنونهم، وأعجب ألعابهم، ويهتفون أجمل هتافاتهم، فكأنه عيد الأولمب عند اليونان: فمن صراع إلى دبكة إلى قفز إلى لعب بالسيف والترس، إلى عدو بالخيل، إلى تمثيل وغناء. . .
وهياكل ضخمة، أعدها الشباب، فوضعت على ظهور السيارات، على أشكال القلاع والمدافع والمدرعات، وشيء يمثل أيام العذاب، ومراحل الجهاد من ميسلون إلى الجلاء - فالعين رائية كل لون وشكل، والأذن سامعة كل نغمة ولحن، وفي كل فؤاد هزة طرب، وعلى كل لسان صيغة حمد وكلمة ابتهاج، والليل يتصرم وما تخلو الساحات، ولا يفتر النشاط، ولا يسكت الضجيج، وما يفكر أحد بمنام، فكأنما قد جن البلد.
فماذا في دمشق؟ أي يوم هذا من أيامها، عظمت أيام دمشق وكرمت وجلت؟
ألا إنه يوم الفرحة الكبرى، إنه اليوم الذي كان يتمنى كل شامي أن يراه، ولا يبالي إذا رآه أن يموت من بعده. إنها الغاية التي سرنا إليها خمساً وعشرين سنة وتسعة أشهر، نطأ الحراب، ونخوض اللهب، ونسبح في الدم، ونتخطى الجثث، وننشق البارود.
إنها الأمنية الكبرى التي كان يتمناها كل سوري، وكل عربي وكل مسلم.