لقد جنت دمشق وحق لها أن تجن، فقد عاد الحبيب بعد طول الفراق، وآب المسافر بعد ما امتد الغياب، وعانقت الأم وحيدها بعد ما ظنت أن لا لقاء، وخرج الفرنسيون وزال الانتداب!
إنه يوم الجلاء. . .
فيا أيها الذين عادوا ميسلون بقلوب كسيرة، ونظروا إلى موكب الغاصب بعيون دامعة، وحملوا الظلم بأعصاب صابرة، وشاهدوا جبروت المحتل وطغيانه ووحشيته، والعرش الذي أقاموه على دماء قلوبهم وعزائم سواعدهم هوى، والبلاد التي برأها الله واحدة قسمت فجعلت دولاً. . . والوطني المخلص نفي أو سجن، أو حكم عليه بالموت شنقاً، والخائن المعلون قد أعطي الرتب والذهب. . .
ويا أيها الذين خرجوا على الظلم، وعرضوا أروحهم للموت، على شعفات الصخر، من جبال اللاذقية إلى جبل الدروز، وعلى السهول الفيح، من أعالي حلب إلى أدنى حمص، وعلى ثرى الجنات من أرض الغوطة، لم يخشوا فرنسا إذ كانت تخشاها الدول، ويرهب بأسها الأقوياء. . .
ويا أيها الذين نشأوا في عهد الانتداب، فرأوا في كل مدرسة مستشاراً فرنسياً هو الآمر الناهي والمدير تمثال، وفي كل وزارة مستشاراً هو الفاعل التارك. . . والوزير صنم، وفي كل قضاء مستشاراً هو الحاكم المنفذ وهو الأمير، وفي وسط المدن مراكز للعدو، وعلى الجبال قلاعاً له قد وجهت مدافعها إلى البلد لتضرب أبناءه إذا طالبوا بحق أو أبوا ظلماً، لا إلى الفضاء لترد عنه الأعداء، وفي كل طريق جنداً من الفرنسيين والمغاربة المسلمين. . . والسنغاليين والشركس والأرمن و. . . الدمشقيين الخائنين، يلوحون بأسلحتهم في وجوه أهل البلد، ويرمونهم بالشرر (في السلم) من نظراتهم، وبالنار (في الثورات) من بنادقهم. . .
ويا أيها الشهداء الذين بنيران العدو الباغي، في سبيل الله في سبيل الحرية، وهل تسمع أرواحكم دعائي يا أيها الشهداء؟
ويا معشر العرب في قاص من الأرض ودان.
إنا نحمد الله إليكم، تبارك اسمه، وجل جلاله، فقد أكمل نعمته، وأتم منته، وأخرج الفرنسيين