اذهبوا الآن إلى (المزّة) وادخلوا القلعة، وأموا الثكنة الحميدية، فإنه لا يمنعكم حارس سنغالي وجهه يقطع الرزق، ولا يردكم ضابط فرنسي، ولا تحجزكم سلك ذات أشواك. . . وسيروا في طريق الصالحية فادخلوا قصر (المفوض السامي) الذي كان يتنزل منه وحي الضلال على قلوب الخونة المارقين من طلاب الحكم وعشاق الكراسي، فيكونون لربه عبيداً أذلة، وعلى أبناء بلدهم فراعنة مستكبرين، ولجوا قصر (المندوب) الذي كان ينصب منه (أمس) الموت الزؤام على من يدنو من حماه، واسرحوا وامرحوا حيث شئتم، فالبلاد بلادكم، لا فرنسي، ولا إنكليزي، ولا طلياني ولا روسي، ولا أشقر ولا أسود. . .
ألا لا مفوض (سامي. . .) اليوم، ولا مندوب!
لقد ذهبوا جميعاً، وما تركوا من جنات زرعوها ولا عيون، ما تركوا إلا بيوتاً كانت عامرة فجعلها حكمهم خرائب، وجناناً صيروها مقابر، وضمائر نفر منا كانت نقية فدنسوها. . . ذهبوا وما أورثونا خيراً قط.
هذا قصر المفوض السامي الذي كان بالأمس يزعم أنه إله الأرض، تعالى الله ما من اله غيره، وكان كلما نزت برأسه نزوة من حماقة جعلها قانوناً، وحمل الناس عليها بسنان البندقية وفم المدفع، قوانين ينقض بعضها بعضاً، ويلغي أواخرها الأوالي، ولا يحصيها عالم ولا جاهل:(إن المفوض، بناء، وبناء يقرر تعديل الجملة الثانية من الفقرة الأخيرة من المادة ١٨ من القرار ١١٠٥ ل. ر) فلا يعرف جني ولا إنسي، ما هذه الفقرة، ولا ما هذه المادة، ولا ما هذا القرار. . . لقد ذهب وأورثنا عشر آلاف قرار مثل هذا! ذلك هو التشريع الفرنسي الذي يحسبه القردة المقلدون، أفضل من شرع ربنا، لأن عليه (الطابع الأوربي)!
هذا هو قصر المفوض الذي سرقه من فيصل، فيا فيصل، يا أيها الملك! ارفع رأسك مرة واحدة وانظر. . . إنها لم تطل المدة. . إن اللص قد طرد، وان الباغي قد دارت عليه الدوائر، فما دافعت عنه جنوده، ولا حمته حصونه، ولا أغنت عنه مدافعه وطياراته. لقد جرب فينا أسباب الموت كلها فما صنعت شيئاً. لم تحرقنا ناره، ولم يقتلنا حديده، لأننا أمة لا (يمكن أن) تموت! وأحرقته هو نار حماستنا، وقتله حديد عزائمنا، فولى عنا باللعنة، كما