للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

منه أبقته لنا الأيام، ولسنا ندري إن كنا سنعثر على كل شعره أو أن الزمن بذلك ضنين؟

أول مميزات شعر شاعرنا طول نفسه، فقصائده أغلبها طويلة، وقد يبلغ بها الطول إلى أن تقارب المائتين، وذلك إن دل فإنما يدل على تمكن في اللغة، واطلاع واسع يهيئه لأن يطيل كما يشاء حق يوفي ما بنفسه ويستوفيه. ثانيها الرقة وجمال الأسلوب مع متانته، فلست تحس بالتنافر أو نبو الألفاظ أو أن تركيباً قلق في موضعه غير مستقر، أو إنك تجد عسراً في فهمه، أو تحتاج إلى وقوف طويل حتى تستبين معناه، فهو سلس سهل، يسبق معناه إلى قلبك قبل أن يسبق لفظه إلى سمعك، وإنك لتجد نفسك مسوقاً إلى قراءته متى بدأت أول القصيدة لطلاوته وعذوبته، وهو يذكرنا بالبحتري حينما نجذ الألفاظ منقادة متخيرة، مع السهولة والعذوبة. ولا يذهبن بك الوهم إلى أنه لم يستعمل ألفاظاً غريبة في شعره، فإنه قد استعمل منها طائفة صالحة، غير أنه كان حكيماً في استخدامها، حصيفاً في استعمالها، لا يكثر منها ولا يضعها في غير موضعها. ثالثها استعمال بعض المحسنات البديعية من غير إكثار منها ولا تكلف، بل إنها تجيء سلسة سهلة، لا تذهب برواء القصيدة، ولا تضيع من بهجتها، ولقد استخدم في شعره التورية والجمع والجناس، وحسن التعليل، والطباق، والاقتباس، فهو يقول:

في جوده السفاح أم في عزمه المنصور، أم في غيبه المأمون

ويقول:

قضت لك الشيمتان: العدل والكرم ... أن تخضع الأمتان العرب والعجم

وشرف الدين والدنيا بدولتك ال ... غراء، والأشرفان العلم والعلم

ويقول:

ملك إذا امتدت يداه إلى العدا ... يوم الوغى تتقاصر الأعمار

ويقول:

هو الناهب الأرواح والواهب اللهى ... وباني العلا والناسك المتورع

ويقول واصفاً حماماً أحمر العين والرجل:

وأليف غصن لا يفارقه ... صب الفؤاد به متيمه

يدعو بصوت أستبين به ... معنى الحنين، ولست أفهمه

<<  <  ج:
ص:  >  >>